موجودة في جميع أجزائها، مستمرة في جميع أحوالها. فمن حين تُطْلع إلى أن تيبس تؤكل أنواعا، ثم بعد ذلك، ينتفع بجميع أجزائها حتى النوى في علف الدواب، والليف في الحبال، وغير ذلك، مما لا يخفى. وكذلك بركة المسلم عامة في جميع الأحوال، ونفعه مستمر له، ولغيره حتى بعد موته.
قلت: انظر، هل يمكن أحدًا من أهل الزَّيغ أن يقول: إن النخلة لا يُنتفع بها بعد موتها؟ وإذا كان لا يمكنه ذلك، كيف يقول: إن الميت المؤمن لا ينتفع به بعد موته مع ورود تشبيهها به أو تشبيهه بها صريحًا في الأحاديث المذكورة، أو يجعل سيد البلغاء غير عارف بالتشبيه فيما قال؟ أو يجعل التشبيه مقيدًا بدون دليل منه صلى الله تعالى عليه وسلم؟ فالمؤمن المهتدي يعلم من هذا الحديث أن المؤمن لا ينقطع نفعه بالموت قطعًا، ووقع عند ابن حبان عن ابن عمر أن النبيّ، صلى الله تعالى عليه وسلم، قال: "من يخبر عن شجرة مثلها مِثْل المؤمن، أصلها ثابت وفرعُها في السماء؟ ". قال القرطُبي: فوقع التشبيه بينهما من جهة أن أصل دين المسلم ثابت، وأن ما يصدر عنه من العلوم والخير قوت للأرواح مستطاب، وأنه لا يزال مستورًا بدينه وأنه ينتفع بكل ما يصدر عنه حيًا وميتًا.
وقال غيره: المراد يكون فرع المؤمن في السماء رفع عمله وقبوله. وروى البزَّار عن ابن عمر أيضًا، قال: قال رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم: "مثَلُ المؤمن مثَلُ النخلة ما أتاك منها نفعك". هكذا أورده مختصرًا، وإسناده صحيح. وقد أفصح بالمقصو بأوجز عبارة، ووقع في التفسير عند المصنف عن ابن عمر، قال: كنا عند النبي صلي الله تعالى عليه وسلم، فقال: "أخبروني بشجرة كالرجل المسلم لا يتحاتُّ ورقُها ولا ولا ولا" فذكر النفي ثلاث مرات على سبيل الاكتفاء، فقيل في تفسيره: ولا ينقطع ثمرها، ولا يعدم فيُؤها، ولا يبطل نفعها. قلت: انظر هذا النفي الصريح في أنها لا يبطل نفعها، وهي مشبهة بالرجل المسلم -تعلم أن قول