بها دون غيرها، وقوله "وإنها مثل المؤمن" بكسر الهمزة في إن، عطفا على إن الأولى.
ومثل بكسر الميم، وسكون المثلثة، في رواية أبي ذر، وبفتحهما في رواية الأصيليّ وكريمة، وهما بمعنى، ومعناهما التسوية كشِبْه وشبَه زنة ومعنى. والمثل، بالتحريك أيضًا، ما يضرب من الأمثال، وهو المثل السائر الذي شبه مضربه بمورده، ولا يقع ذلك إلا لقول فيه غرابة، والمورد الصورة التي ورد فيها ذلك القول، والمضرب هو الصورة التي شبهت بها. والنخلة هي المشبهة بالمؤمن، كما هو صريح الحديث خلافا لما في العيني، وتبعه القسطلاني من العكس، والمعنى مَثَلُ النخلة العجيب الشأن كحال المؤمن في ذلك، لكن في بعض الأحاديث كما يأتي تشبيه المؤمن بالنخلة، فيكون كل منهما قد وقع. ويستقيم كلام العيني بالنظر لغير حديث الباب.
وقوله: "فحدِّثوني" فعل أمر، أي: إن عرفتموها فحدثوني، وقوله: ما هي؟ جملة من مبتدأ وخبر سدت مسد مفعوليْ التحديث، وقوله:"فوقع الناس في شجر البوادي" أي: ذهبت أفكارهم في أشجار البادية فجعل كلّ منهم يفسرها بنوع من الأنواع، وذُهلوا عن النخلة، يقال: وقع الطائر على الشجرة إذا نزل عليها.
ووجه الشبه بين النخلة والمسلم إما من جهة عدم سقوط ورقة لها، وعدم سقوط دعوة له، لما رواه الحارث بن أبي أسامة عن ابن عمر، قال: كنا عند رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، ذات يوم، فقال: "إن مثل المؤمن كمثل شجرة لا يسقط لها أبلُحَة، أتدرون ماهي؟ قالوا: لا، قال: هي النخلة لا تسقط لها أبْلُحة، ولا تسقط لمؤمن دعوة". أو من جهة بركة كل منهما، لما أخرجه المصنف في الأطعمة عن ابن عمر، قال: بينا نحن عند النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، إذ أتى بجُمار، فقال: إن من الشجر لَمَا بركَتُه كبركة المُسْلم". وهذا أعم من الذي قبله، وبركة النخلة