قَالَ: فَاسْتَقْبَلَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ فَقَالَ له: أين تريد يا ابن كَذَا وَكَذَا، فَحَمَلَ عَلَيْهِ خَالِدٌ وَاعْتَنَقَهُ الْحَنَفِيُّ فَسَقَطَا عَنْ فَرَسَيْهِمَا [1] جَمِيعًا إِلَى الأَرْضِ، فَسَقَطَ الْحَنَفِيُّ تَحْتَ خَالِدٍ، فَجَعَلَ يَجْرَحُهُ مِنْ تَحْتِهِ بِخِنْجَرٍ سَبْعَ جِرَاحَاتٍ، وَوَثَبَ خَالِدٌ مِنْ فَوْقِهِ وَتَرَكَهُ، وَإِذَا فَرَسُ خَالِدٍ قَدْ غَابَ فِي الْحَدِيقَةِ، وَجَعَلَ يُقَاتِلُ حَتَّى تَخَلَّصَ وَهُوَ لِمَا بِهِ.
قَالَ: وَأَقْبَلَ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ الأَنْصَارِيُّ [2] حَتَّى وَقَفَ عَلَى بَابِ الْحَدِيقَةِ، ثُمَّ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: (يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، احْطِمُوا جُفُونَ سُيُوفِكُمْ وَاقْتَحِمُوا هَذِهِ [3] الْحَدِيقَةَ عَلَيْهِمْ، فَقَاتِلُوهُمْ أَبَدًا، أَوْ يَقْتُلُ اللَّهُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ) ، قَالَ: ثُمَّ كسر عباد بن بشر جَفْنَ سَيْفِهِ، وَكَسَرَتِ الأَنْصَارُ جُفُونَ سُيُوفِهِمْ، فَاقْتَحَمُوا الْحَدِيقَةَ وَهُمْ عِشْرُونَ وَمِائَةُ رَجُلٍ، فَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى مَا بَقِيَ مِنْهُمْ إِلا أَرْبَعَةُ نَفَرٍ، فَإِنَّهُمْ أَقْبَلُوا مَجْرُوحِينَ لِمَا بِهِمْ.
قَالَ: وَعَظُمَ الأَمْرُ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا، وَالْتَفَتَتْ بَنُو حَنِيفَةَ إِلَى مُسَيْلِمَةَ، فَقَالُوا لَهُ: (أَلا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قِتَالِ هَؤُلاءِ) ، فَقَالَ: (بِهَذَا أتاني الوحي، [23 ب] إِنَّ الْقَوْمَ/ يُلْجِئُونَكُمْ إِلَى هَذِهِ الْحَدِيقَةِ وَيَكُونُ قِتَالُكُمْ [4] مَعَهُمْ فِي جَوْفِهَا) ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُهُمْ: فَأَيْنَ مَا وَعَدْتَنَا مِنْ رَبِّكَ أَنْ يَنْصُرَنَا عَلَى عَدُوِّنَا، وَإِنَّ هَذَا الدِّينَ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ هُوَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) ، فَقَالَ مُسَيْلِمَةُ: (أَمَّا الدِّينُ فَلا دِينَ لَكُمْ، وَلَكِنْ قَاتِلُوا عَنْ أَحْسَابِكُمْ، أَتَظُنُّونَ أَنَّا إِنَّمَا كُنَّا نُقَاتِلُ إِلَى الساعة ونحن على الحق وهم على