بِسمِ الله الرَّحمَنِ الرَّحيم لقد حظيت حروب الردّة وما فيها من أخبار وأشعار باهتمام المؤلفين العرب فقد ألّفت منذ زمن مبكر عدة كتب أفردت لحروب الردّة غير الأخبار التي تضمنتها كتب التاريخ والأدب، فقد وقفنا على ثمانية كتب كلها تحمل اسم الردّة هي:
لمحمد بن إسحاق (ت 150 هـ-) ، وسيف بن عمر (ت 193 هـ-) ، والواقدي (ت 207 هـ-) ، ووثيمة بن موسى الوشاء (ت 237 هـ-) ، وأبي مخنف لوط بن يحيى الأزدي (ت 157 هـ-) ، وإسحاق بن بشر الهاشمي (ت 206 هـ-) ، وعلي بن محمد المدائني (ت 234 هـ-) ، وإسماعيل بن عيسى العطار. ولم يصل من هذه الكتب إلا كتاب الواقدي هذا، في نسخته الوحيدة النادرة التي عثرت عليها أثناء تسفاري في بلاد الهند في مكتبة خدابخش في يانكي بور مقاطعة باتنا وتقع المخطوطة في ست وأربعين لوحة بخط نسخي مقروء، وفيها شعر كثير يجاوز التسعمائة بيت، أكثره من الشعر النادر الذي لم تحفظه الكتب والدواوين، وقد ضاع مثله في غمرة الحروب، وهو شعر يمثل الفروسية والبطولة العربية، لأنه قيل أثناء التهيؤ للقتال أو الدعوة للنزال أو وصف الأحداث، وغالبية هذا الشعر لشعراء مغمورين لم يعرفوا بقول الشعر ولم يشتهروا به، وقد أنطقتهم الحروب وأحداث الردّة، وهم جنود مقاتلون لا يعنون بتجويد الشعر وصناعته، وإنما تجيش صدورهم بأبيات يحمسون بها أنفسهم ومن معهم، ويفخرون بحسن بلائهم وبلاء قومهم، ولذلك جاءت أشعارهم مقطعات يغلب عليها الارتجال وتقتصر موضوعاتها على الحرب وما تقتضيها من استعداد لها واستبسال في سبيلها وتحريض المقاتلين