الظلمة واكتسب المال من خيانات فما في يده حرام وإن اختلط ماله فلم يتميز، وكان يعامل بعض الظلمة ويعامل أهل التقوى والإيمان فما في يده شبهة.
وقد جاء في الخبر: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الخير طمأنينة وإنّ الشرّ ريبة، معناه دع ما تشك فيه إنه حلال إلى شيء آخر لا شك فيه، فإن الشرّ ريبة وليس بيقين، وفي لفظ آخر: الإثم حيك الصدور.
وقد جاء في الحديث: الإثم حواز القلوب أي ما حزّ في القلب وأثر فيه بنكث فهو إثم، لأن الله تعالى علق الإثم بالقلب وجعله من أوصافه في قوله عزّ وجلّ: (وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) البقرة: 283، وفي الخبر: البرّ ما اطمأن إليه القلب وسكنت إليه النفس، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس فدعه لأنه قال: المؤمنون شهداء الله وقال: ما رآه المؤمنون حسناً فهو عند الله حسن، وما رأوه قبيحاً فهو عنداللهّ قبيح كما قال سبحانه: (فَسَيَرى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرُسُولُُهُ وَالمُؤْمِنُونَ) التوبة: 105 لأن كراهتك نظر الله إليك دليل على وجود الريبة فيك، وفصل الخطاب من ذلك أنه ليس على العبد أكثر من جهده وطاقته، وأن يعمل في دينه بمبلغ علمه وما يؤدي إليه اجتهاده ووسعه، وأنْ لا يخبأ لنفسه خبيئة ولا يرخص لنفسه بهواه رخصة، فإن قصر علمه استعان بعلم غيره، فما أخطأ حقيقته وراء ذلك فهو معفو الخطأ، وبعض الورعين يقول: الحلال ما لم يتناوله أيدي الظالمين، وقال بعضهم: ما لم تجرِ عليه يد ظالم، وقال بعض العلماء: لا يكون حلالاً حتى لا يتخالج في القلب منه شيء وحتى يسكن القلب إليه ويطمئن به، وقال آخر: الحلال ما عرض على أهل الظاهر والباطن، فإذا لم ينكروا منه شيئاً فذلك الحلال، وقد كان اجتمع جماعة من العلماء يتذاكرون أي الأعمال أشد فقال بعضهم: الجهاد وقال بعضهم: الصيام والصلاة وقال آخر: مخالفة الهوى وقال بعضهم: الورع، فأجمعوا على الورع ورجعوا إلى هذا القول، وقال حسان بن أبي سنان: ما شيء عندي أسهل من الورع قيل: وكيف؟ قال: إذا حاك في صدري شيء تركته وهذا سهل على من ساعده القدر بالزهد وقواه على ذي النفس