غيبه، والحلال والحرام ما أجمعواعليه وظهرت الأدلة عليه، والشبهة أيضاً ما حل سببه وصودف فيه حكمه إلاّ أنّ عينه مجهولة غير متيقن تحليلها، والشبهة أيضاً ما فقد منه بعض القيام بالأحكام أو ما اعتل سببه الذي يوصل العبد ويتطرق إليه من فضول جهل أو حدوث آفة من آفات النفوس، فهذه الأنواع كلها من الشبهات، ثم تختلف نفس الشبهات فيكون ذلك شبهة الحلال وتكون شبهة الحرام، شبهة كدرة، وتكون شبهة متقاربة لأنّ الحلال عند علماء الباطن على ثلاث مقامات، حلال كاف وهذا عموم وكأنه ما حل من طريق الحكم، وحلال صاف وهذا خصوص وكأنه ما ظهرت الأدلة فيه وحل سببه ووجدت السنّة فيه، وحلال شاف وهذا خصوص الخصوص، وكان ذلك ما علم أصله وأصل وجرى على أيدي المتقيّن ولم يخالطه جهل، فلذلك تفاوتت الشبهات لتفاوت حلال ضدها، فأما الحرام فطعمة الفاسقين، أكله فسوق وطلبه فسوق وإطعامه فسوق، والمعاونة عليه فسوق والمدمن عليه فاسق، وهو من الكبائر وليس من حاجة المسلمين ولا يغنيهم، والحلال هو ما أجلّه الكتاب والسنّة وحللته الأحكام والعلوم من سائر الأسباب والمعاني المطلقة والمباحة التصرف في العلم، وهو بغية المؤمنين وطعمة المتّقين ومقام الصالحين، فطلبه جهاد وإطعامه برّ والمعاونة عليه تقوى وأكله عبادة، والمدمن عليه مؤمن تقي، والشبهة ما اختلف العلماء فيه ولم يجمعوا عليه، أو ما التبس باطنه فاشتبه لغموض الأدلة أو خفاء الاستدلال فلم يكن بيّناً فلم يجمع أهل الظاهر.
والورع عليه كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يعلمه كثير من الناس فهذه طعمة عموم المسلمين فإن ابتليت بهذا فخذ منها حاجتك وضرورتك من كل شيء، تكن بذلك فاضلاً ويصح لك مقام في الورع، والاستكثار منه والاقتناء مكروه، وتركه إذا أمكن أفضل لأن في الخبر: من تركه فقد استبرأ لدينه أي تنزه وتنظف وتفقد دينه واحتاط له، وقيل: إنّ الأيمان نزه نظيف فتنظفوا وتنزهوا، ومعنى التنزه التباعد من الدناءة والأوساخ، ومن ذلك قيل: خرجنا نتنزه، وخرج فلان في نزهة إذا تباعد عن المصر وفارق جملة الناس، ثم قال: وعرضه أي استبرأ لعرضه أن يتكلم الناس فيه بسوء وينسبوه إلى فحش، وقد جعلنا الشبهة طريقاً إلى الحرام وموقعة فيه لأن في الخبر: من يرتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه أي يطلب الشبهة ويدمن عليها ويستكثر منها يسرع الوقوع في الحرام، أي تسرع إليه وتدخله فيه، وقال بعض العلماء: ما أخذ من يد تقي عدل بحكم جائز فهو حلال، وما أخذ من يد من لا يعرف بعدالة ولا جرح فهو شبهة، وما أخذ من يد ظالم أو فاجر فهو حرام وإن أخذ بحكم جائز وهذا القول يقرب من الحق، ومثله من المقال مثل ما قال بعض أهل العلم: إنّ من لم يعرف أنّ ماله خالطه خيانة ولا معاملة ظالم فذلك حلال، ومن خالط