للناس والمتزين لهم يأكل حراماً، لأنه لم ينصح مولاه في عمله، وقال بعض الموحدين: لا يكون حلالاً حتى لا يشهد فيه سوى الله تعالى، وإنّ من أشرك في رزق الله العباد فذلك شبهة وإنْ حل من طريق الأحكام، واحتجوا بقول عيسى عليه السلام: يأكلون رزقه ويشركون فيه خلقه، ومن الأبدال من يقول الحلال ما لم يؤخذ من أيدي الخلق ولم ينتقل إلى أملاكهم، وكان بعضهم لا يأكل إلاّ مما أنبتت الأرض التي هي غير مملوكة، وقوله عدل أنّ الحلال ما لم يؤخذ من أيدي الظالمين، وما أخذ من أيدي المتّقين، وحدثت عن بعض الأبدال في قصة طويلة ذكرها، أنّ بعض العامة من السياحين دفع إليه شيئاً من الطعام فلم يأكله، فسأله عن امتناعه فقال: نحن لا نأكل إلاّ حلالاً، فلذلك تستقيم قلوبنا على الزهد في الدنيا وتدوم على حالة واحدة، ونكاشف بالملكوت ونشاهد الآخرة ثم قال: لو أكلت مما تأكلون ثلاثة أيام لما رجعنا إلى شيء مما نحن عليه من علم اليقين، ولذهب الخوف والمشاهدة من قلوبنا في كلام طويل، قال له الرجل في آخره: فإني أصوم الدهر وأختم القرآن في كل شهر ثلاثين ختمة فقال له البدل: هذه الشربة من اللبن التي رأيتني فد شربتها أحبّ إلي من ثلاثين ختمة في ثلاثمائة ركعة من أعمالك، وكانت شربة من لبن من أروى وحشية وهو الأنثى من الوعل، وقال بعض السائحين: قلت لبعض الأبدال وقد حدثه عن أكل الحلال بمثل هذا الحديث: أنتم تقدرون على الحلال ولا تطعمون إخوانكم من المسلمين فقال: لا يصلح لجملة الخلق ولم نؤمر بذلك، لأنهم لو أكلوا كلهم حلالاً لبطلت المملكة وتعطلت الأسواق وخربت الأمصار، ولكنه قليل في قليل من الخلق وخصوص في مخصوصين أو معنى هذا الكلام، وقال بعض العلماء: لا أعلم حلالاً لا شك فيه إلاّ ماء الغدران، وماأنبتت أرض غير مملوكة أوهدية من أخ صالح أو معاملة تقي بصدق ونصح، وكان يحيى ابن معين قد صحب أحمد بن حنبل رضي الله عنه في السفر سنين، ولم يكن أحمد يأكل معه لأجل كلمة بلغته عنه وهو أنه قال: أنا لا أسأل أحداً شيئاً، ولو أعطاني الشيطان شيئاً لأكلته، فهجره أحمد رضي الله عنه حتى اعتذر إليه يحيى وقال: إنما كنت أمزح قال: تمزح بالدين، أما علمت أنّ الأكل بالدين قدمه الله على العمل فقال: كلوا من الطيّبات واعملوا صالحاً، وقد كان كثير من الورعين يقول: منذ أربعين سنة ما دخل جوفي إلاّ ماء أعلم من أين هو، وبعضهم يقول: منذ ستين سنة ما أكلت إلاّ من حيث أعلم، وكان وهب بن الورد لا يأكل إلاّ من حيث يعلم أو يشهد عنده شاهدان بصحته، وقد