استقام البناء وارتفع، وإذا ضعف الأساس واعوج انهار البنيان ووقع، وقد قال الله: (أَحسَنَ الخَالِقينَ) الصافات: 125، أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خيراً من أسس بنيانه على شفا حرف جرف هار فانهار به في نار جهنم.
وفي الحديث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من اكتسب مالاً من حرام وإن تصدق به لم يقبل منه، وإن تركه وراءه كان زاده إلى النار، وقيل في معنى قول الله عزّ وجلّ: (وَلاَ تأكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالبَاطِلِ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) النساء: 29، قيل: من أكل حراماً فقد قتل نفسه لأنه كان سبب هلاكها وتعذيبها، وفي الأخبار المشهوة عن عليّ وغيره: أنّ الدنيا حلالها حساب وحرامها عقاب، وقال يوسف بن أسباط وسفيان الثوري رحمهما الله: لا طاعة للوالدين في الشبهة، وقال الفضيل بن عياض: من قام في موقف ذل في طلب الحلال حشره الله مع الصدّيقين ورفعه إلى الشهداء في موقف القيامة، وقال أبو سليمان أو غيره من العلماء: لا يفلح من استحيا من طلب الحلال، وفي بعض التفسير فإن له معيشة ضنكاً، قيل أكل الحرام كما قيل في قول: (فلنحيينه حياة طيبة) قال: نرزقه حلالاً وقد قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) البقرة: 172، قيل: من الحلال كما قال: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلِ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ واعْمَلُوا صَالِحاً) المؤمنون: 51، أي من الحلال، فأمر بأكل الحلال قبل العمل الصالح، وهكذا قال بعض العلماء: زكاة الأعمال بأكل الحلال، فكلما كانت الطعمة أحل كان العمل أزكى وأنفع، وكان بشر بن الحارث إذا ذكر أحمد بن حنبل يقول: قد فضل عليّ بثلاث؛ صبره على العيال وأنا أضيق عن ذلك وهو يطلب الحلال لنفسه ولغيره وكان يقول: ما أترك الطيبات زهداً فيها وإنما أتركها لأنه لا يصفو لي درهمها، ولو صح لي الدرهم الذي اشتريها به لأكلتها، وقد قال علماء الظاهر: إن الحلال من عشرة أوجه ومنهم من قال: يوجد من سبعة أشياء وأصل ذلك كله يرجع إلى ثلاثة أشياء: تجارة بصدق وصناعة بنصح وعطية بحكم، ثم تنقسم العطية أربعة أقسام؛ فيكون فيئاً أو ميراثاً أو هبة عن طيب نفس، أو صدقة مع وجود فقر، ومدار ذلك كله وقطبه أنّ الحلال مشتق من اسمه بمعنيين؛ ما انحلّ الظلم عنه أو حل العلم فيه، فما انحل الظلم عنه انحلت المطالبة عنه، وما حل في العلم حلت الإباحة والأمر به، والحلال عند العلماء ما لم يعصَ الله عزّ وجلّ في أخذه، قال بعض علماء الباطن: الحلال ما لم يعصَ الله عزّ وجلّ في أوله ولم ينسَ في آخره.
وذكر عند تناوله وشكر بعد فراغه، وكان سهل إذا سئل عن الحلال يقول: هو العلم، وقال: لو فتح العبد فمه إلى السماء وشرب القطر ثم تقوى بذلك على معصية أو لم يَطعْ الله عزّ وجلّ بتلك القوة لم يكن ذلك حلالاً، وقال طائفة من أهل العلم: إنّ المتصنع