الحسن بن صالح جارية فقال للمشتري إنها قد تنخمت مرة عندنا دماً، ويبين دقائق الإعلام والبيان في ذلك مما لا يعلمه المشتري أو المستعمل، فهو من النصح والصدق، وذلك يكون عن التقوى والورع في البياعات والإجارات ويكون الكسب عن ذلك أحلّ وأطيب فليجتنب المسلم محرم ذلك كله وكل مكروه، فهذه سيرة السلف وطريقة صالحي الخلف، وأستحب له أن يتوخى في الشراء والبيع، ويتحرى أهل التقوى والدين، ويسأل عمن يريد أن يبايعه ويشاريه وأكره له معاملة من لا يرغب عن الحرام أو من الغالب على ماله الشبهات.
وحدثت عن محمد بن شيبة أخت ابن المبارك قال: كتب غلام ابن المبارك إليه: أنّا نبايع أقوماً يبايعون السلطان، فكتب إليه ابن المبارك إذا كان الرجل يبايع السلطان وغيره فبايعه، وإذا قضاك شيئاً فاقبض منه إلاّ أن يقضيك شيئاً تعرفه بعينه حراماً فلا تأخذه وإذا كان لا يبايع إلاّ السلطان فلا تبايعه.
وحدثنا عن بعض الشيوخ عن شيخ له من الخلف الصالح قال: قال أتى على الناس زمان كان الرجل يأتي إلى مشيخة الأسواق فيقول: من ترون لي أن أعامل من الناس من أهل الصدق والوفاء؟ فيقال له: عامل من شئت، ثم أتى عليهم وقت آخر فكان الرجل يقول: ترون لي أن أعامل من الناس؟ فيقال: عامل من شئت إلاّ فلاناً وفلاناً قال: ونحن في زمن إذا قيل لنا: من نعامل من الناس؟ فيقال: عامل فلان بن فلان وأخشى أن يأتي على الناس زمان يذهب فلان بن فلان أيضاً، ولا يحلف ولا يكذب ولا يخلف موعداً، فإنّ اليمين الكاذبة ممحقة للكسب، وقد قيل: ويل للتاجر من يقول: لا والله، وبلى والله، وويل للصانع من اليوم وغد وبعد غد، أبو عمرو الشيباني عن أبي هريرة قال: قال ر سول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، عبد متكبر ومنّان بعطيته ومنفق سلعته بيمينه، ولا يمدح إذا باع أو صنع صنعة ولا يذم إذا اشترى أو استعمل صانعاً، فإنّ هذا لا يزيد في رزقه ولا ينقص منه تركه، وهذا من اليقين في الرزق في هذا الباب، وفعله يزيد في الذنوب فينقص من الدين، وعلى الصانع أنْ يبلغ غاية النصح في صنعته لمستعمله لأنه أعرف بصلاح صنعته وفسادها وبسرعة فناء الصنعة وكثرة بقائها، فينبغي أن يتقن نهاية علم الصانع بصلاح الصنعة وحسن بقائها مع نهاية بغية مستعمله من تجويدها وأحكامها، ويتّقي من فساد يسرع إلى فنائها ما لا يفطن له مستعمله، فإذا فعل الصانع والتاجر ذلك كانا قد عملا بعملهما وسلما من المطالبة والمساءلة عنه، وإلاّ فهما يسألان فيقال لهما: ماذا عملتم فيما علمتم؟ إذ كانوا على علم من التجارة والصناعة وبهذه الأشياء عمارة المملكة، فلا بدّ أن يُسألا عن ذلك كما يسأل من كان على علم من الدين والإيمان، لأن لهم في علوم العقل والتمييز من أبواب الدنيا