فسعى وراءه وجعل يصوت به حتى رجع، وقال: يا هذا أَللحم اشتريت هذه الناقة أمْ للظهر؟ فقال: بل للظهر، فقال: فإن بحقها نقناً قد رأيته وإنها لا تتابع السير عليه، قال: فردّها، فنقصه البائع مائة درهم، فقال لواثلة: رحمك الله أفسدت عليّ بيعي، فقال: إنا بايعنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يحلّ لأحد يبيع شيئاً إلاّ يبين ما فيه ولايحلّ لمن يعلم ذلك إلاّ يبينه، فانظر رحمك الله إلى النصح للمسلمين الذي يتعذر فعله علي كثير من المسلمين، إنما جعله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من شرط صحة الإسلام وكان يبايع عليه، إلاّ إنه جعله من فضائل الدين، ولا نهاية لقرب المتّقين، لأنه قال: الدين النصيحة الدين النصيحة ثلاثاً، ثم سوّى بين طبقات الناس فيه فقال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين ولعامتهم.
وقد روي في خبر مشهور: لا تزال لا إله إلاّ الله تدفع عن الخلق سخط الله ما لم يؤثروا صفقة دنياهم على آخرتهم، وفي خبر آخر: ما لم يبالوا ما نقص من دنياهم بسلامة دينهم، فإذا فعلوا ذلك وقالوا: لا إله إلاّ الله، قال الله سبحانه: كذبتم لستم بها صادقين وفي لفظ آخر: ردّت إليهم، في خبر: كأنه مفسر لحديث مجمل: من قال لا إله إلاّ اللهه مخلصاً دخل الجنة، قيل: وما إخلاصها؟ قال: أن تحرزه عمّا يحرم الله، وخبر مشهور: ما آمن بالقرآن من استحلّ محارمه، وقد روينا عن بعض التابعين: لو دخلت هذا الجامع وهو غاص بأهله فقيل له: من خير هؤلاء؟ لقلت: نصحهم لهم، فإذا قالوا هذا قلت: هو شرهم، والغش في البيوع والصنائع محرم على المسلمين، ومن كثر ذلك منه فهو فاسق، ومن الغش أن ينشر على المشتري أجود الطرفين من المبيع، أو يظهر من المبيع أجود الثوبين، أو يكشف من الصنعة أحسن الوجهين، روي أنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرّ برجل يبيع طعاماً فأعجبه ظاهره فأدخل يده فرأى بللاً فقال: ما هذا؟ فقال: أصابته السماء، فقال: هلاّ جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس من غش فليس مني.
وفي حديث عبد الله بن أبي ربيعة: أنه مرّ على طعام مصير فارتاب منه فأدخل يده فإذا طعام ممطور، فقال: ما هذا؟ فقال: هذا والله طعام واحد يا رسول الله، فقال: هلاّ جعلت هذا وحده حتى يأتوك فيشترون شيئاً يعرفونه مَنْ غشّنا فليس منا، وحدثني بعض إخواننا أنّ رجلاً حذاءً سأل: فكيف أسلم في بيع النعال؟ فقال: استجد الأوّل وليكونوا سواء واجعل الوجهين شيئاً واحداً لا يفضل اليمين وجود الحشو، وقارب بين الخرز ولا تطبق أحد النعلين على الأخرى، فينبغي للبائع والصانع أن يظهرا من البيع والمصنوع أردأ ما فيه وأرذله، ليقف المشتري والصانع على عيوبه، ويكونا على بصيرة من باطنه، وباع ابن سيرين شاة له فقال للمشتري: أبرأ إليك من عيب فيها قال: وما هو: قال: تقلب العلف برجلها، وباع