ويسير المغابنة في التجارات جائز، فإن موضوع التجارة على الغبن إذا كان عن تراضٍ، فإذا تفاوتت القيمة وعلم الغبن فمكروه، وقد يروى في حديث أنّ غبن المستغفل حرام، وفي حديث: فيه مقال المغبون لا محمود ولا مأجور، هذا والله أعلم إذا تغابن وهو يعلم فيخسر نفسه حقّه وحمل غيره على ظلمه، وكان إياس بن معاوية قاضي البصرة من علماء الزمان ومن عقلاء التابعين وكانت لأبيه صحبة كان يقول: لست بخب والخب لا يغبن يعني محمد بن سيرين، ولكن يغبن الحسين ومعاوية بن قرة، وكان الزبير بن عديّ يقول: أدركت ثمانية عشر من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما منهم رجل يحسن يشتري لحماً بدرهم.

وقد روي أنّ الحسن باع بغلاً له بأربعمائة درهم، فلما استوجب المال قال له المشتري: اسمح يا أبا سعيد، قال: قد أسقطت عنك مائة قال له المشتري: فأحسن يا أبا سعيد، قال: قد وهبت له مائة أخرى فنقص من حقه مائتي درهم، وفي رواية أخرى قال: أحسن، قال: وهبت لك مائتي درهم، فقيل له: يا أبا سعيد هذا نصف الثمن، فقال: هكذا يكون الإحسان وإلاّ فلا، وقد كان الحسن والحسين رضي الله عنهما وغيرهما من خيا رالسلف يستقصون في الاشتراء ثم يهبون مع ذلك الجزيل من المال فقيل لبعضهم: تستقصي في شرائك على اليسير ثم تهب الكثير ولا تبالي، فقال قائلهم: إنّ الواهب يعطي فضله وإن المغبون يغبن عقله، وقال آخر: إنما أغبن وبصيرتي، أو قال: معرفتي، ولا أمكن الغابن من ذلك، وإذا وهبت فإنما أعطى لله عزّ وجلّ فلا استكثر له شيئاً والأخبار في هذه المعاني تكثر والفضائل فيها تطول، ولم نقصد جمع ذلك، فقد ذكرنا جملة وهذا كله داخل في البرّ والتقوى ومن العدل والإحسان، ومن تطوع الخير وفعل المعروف فقد أمر الله بذلك في مواضع من كتابه، وينبغي أن يستعمل النصح في البيع والشراء وفي الصنعة ويستوي عملهما في المبيع والمشترى والمصنوع ويفطن كل واحد منهما صاحبه بعيب إن كان في السلعة وينقص إن كان في الصنعةإن لم يفطن المشتري لذلك والمستعمل ليتكافأ العلمان ويثني كل واحد منهما على صاحبه بإحسان، وفي الخبر: البيعان إذا صدقا ونصحا بورك لهما في بيعهما وإذا كذبا وكتما أنزعت بيعهما، وفي حديث آخر: يد الله على الشريكين ما لم يتخاونا، فإذا تخاونا رفع يده عنهما، ولما بايع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جريراً، على الإسلام ذهب لينصرف جذب ثوبه، واشترط عليه النصح لكل مسلم، قال: فكان جرير إذا أقام السلعة ليبيعها بصر عيوبها ثم أخبر: فقال: إنّ شئت فخذ وإن شئت فاترك، فقلنا له: رحمك الله، إنك إذا قلت هذا لم ينفذ لك بيع، فقال: إنما بايعنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على النصيحة لأهل الإسلام، وكان واثلة بن الأسقع واقفاً بالناس في الكوفة فباع رجل ناقة بثلاثمائة درهم وغفل واثلة، وقد ذهب الرجل بالناقة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015