فينبغي للتاجر أن يكثر من الصدقة ليكون فيها كفّارة خطاياه وإيمانه وكذبه، فقد أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التاجر بالصدقة، لذلك فينبغي للتاجر والصانع أن يكونا مستعملين لهذه الخصال، فإنها جامعة له تشتمل على جمل أعمال البرّ، فليأخذوا أنفسهم بها فإنها من أخلاق المؤمنين وطرائق المتقدمين، وقد ندبوا إلى جميعها، منها أن يسمح إذا باع، ويسمح إذا اشترى، ويحسن إذا، قضى، ويحسن إذا اقتضى، وليمشِ الرجل بدين غريمه إليه ولا يحوجه إلى اقتضائه فيشق عليه، وليصبر صاحب الدين على أخيه ويحسن تقاضيه، ويحسن له النظرة ويؤخر حقه إلى ميسرته، وليغتنم دعاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهم على ذلك فينافسوا في مدحه لمن فعل ذلك، فقد روي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إسمح يسمح لك، وقال: خير الناس أحسنهم قضاء، وقال: خذ حقك في عفاف وافياً كان أو غير وافٍ يحاسبك الله حساباً يسيراً، وقال: رحم الله عبداً سمح البيع سمح الشراء حسن القضاء حسن الاقتضاء، وقال: من مشى إلى غريمه بحقه أظلته الملائكة، وقال: من أنظر معسراً أو ترك له حاسبه الله حساباً يسيراً، وفي خبر آخر: أظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلاّ ظله، وذكر عليه السلام رجلاً كان مسرفاً على نفسه حوسب فلم يجد له حسنة فقيل له: هل عملت خيراً قط؟ فقال: لا، إلاّ إني كنت رجلاً أداين الناس وأقول لغلماني سامحوا الموسر وانظروا المعسر، وفي لفظ آخر: وتجاوزوا عن المعسر، قال الله عزّ وجلّ: (نحن أحق بذلك منك فغفر له) وفي خبر آخر: من أقرض ديناً إلى أجل فله بكل يوم صدقة إلى أجله فإذا حلّ الأجل فانظره بعده فله بكل يوم مثل ذلك الدين صدقة، وفي حديث: من أدان ديناً وهو ينوي قضاءه وكّل به ملائكة يحفظونه ويدعون له حتى يقضيه، وكان جماعة من السلف يدانون وهم واجدون لأجل هذا الخبر، وكان جماعة لا يحبون أن يقضيهم غرماؤهم دينهم لأجل ذلك الخبر الأوّل إذ له بكل يوم تأخر قضاء صدقة.

وفي الحديث: رأيت على باب الجنة مكتوباً الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر، قيل: معناه لأن الصدقة تقع في يد محتاج وغيره، والقرض لا يقع إلاّ في يد محتاج مضطر إليه، ونظر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى رجل يلازم رجلاً بدين عليه فأومأ إلى صاحب الدين بيده: ضع الشطر ففعل، فقال للمديون: قم فأعطِ، وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أدان ديناً إلى أجل فجاءه صاحب الدين عند حلول الأجل ولم يتفق عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجعل الرجل يكلم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويشدد عليه الكلام فهم به أصحابه فقال: دعوه فإن لصاحب الحق مقالاً، واستحبّ أن تكون أكثر معاونة الإنسان بين البائعتين مع المشتري منهم، واستحب أيضاً أن يكون عونه بين المتداينين مع الذي له الدين، إلاّ أن يعتدي من له الدين أو يعتدي المشتري فيكون حينئذ على المشتري، وروي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: المستبان بالسّئة ربا والمستبان ما قالا، فعلى المعتدي منهما ما لم يعتد المظلوم،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015