فأكثر ما بقي ذلك الدرهم يدور في أيدي المسلمين ويكون عليه، ثم أفسد ونقص من أموال المسلمين إلى آخر فنائه وانقراضه، فطوبى لمن إذا مات ماتت ذنوبه معه، والويل الطويل لمن يموت وتبقى ذنوبه بعده مائة سنة ومائتي سنة يعذّب بها في قبره، ويسأل عنها إلى آخر انقراضها، قال الله عزّ وجلّ: (وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُم) يس: 12، ما قدموا ما عملوا، وآثارهم ما سنّوه بعدهم فعمل به وقال في وصفه: ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخّر، قيل: بما قدم من عمل وما أخّر من سنّة عمل بها بعده، وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من سنّ سنّة سيّئة فعمل بها بعده كان عليه وزرها، ومثل وزر من علم بها لا ينقص من أوزارهم شيئاً، وإنفاق الدرهم الرديء على من يعرف النقد أشد وأعلظ، وهو على من لا يعرف أسهل، فيكون به أعذر لأن هذا لا يتعمد الغش والآخر يتعمده ويقصده، فإنما كان المسلمون يتعلمون جودة النقد لأجل إخوانهم المسلمين لئلا يغشوهم بالرديء، وإلاّ فإنّ تعلّم النقد بلاء وإثم على صاحبه لأنّه علم علمه ولم يعلمبه، فهو يسأل عن علمه، ومن ردّت عليه قطعة فلينفقها ولا يجوزها على بيع آخر، ويحتسب بذلك الثواب من الله عزّ وجلّ، فله بذلك من الأجر بوزن كل ذرة منها حسنة، وله في طرحها أعمال كثيرة من الصوم والصلاة، فإن كان في القطعة تجوّز نقد ينصرف مثلها فأراد أن يشتري بها شيئاً فليعلم البائع الثاني أنها قد ردّت عليه، فإن أخذها على بصيرة وعن سماحة فلا بأس، فإن لم يعلمه فإنه لم ينصحه وربما كان على غير بصيرة بالنقد، فقد روي عن عمر رضي الله عنه: من زافت عليه دراهمه فليضعها في كفه ولينادِ عليها في السوق من يبيعها سحق ثوب بدرهم زائف، وهذا إذا كانت زائفة على وجهها كالصفر والرصاص كان لها قيمة مثلها، وفي قول ابن عمر رضي الله عنه لنافع: لو حفظت عني كما يحفظ عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهم لكان أحبّ إليّ من أن يكون لي درهم زائف، قيل له: أفلا جعلته جيداً؟ قال: كذلك كان في نفسي.

وروينا عن النخعي: إذا كان في الدرهم شيء من الفضة وإن قلّ فلا بأس به، وحدثت عن أبي داود قال: سألت إسحاق بن راهويه رحمهما الله عن إنفاق المزيفة قال: فلا بأس به، ففيه ترخيص بالإنفاق بالزائف إذا عرف ومن سمح في النقد، ويجوز في أخذ الرديء طلباً للآجر، فيما يحتسب، ثم إذا أخرج ذلك على المسلمين وجوزه عليهم بعد ذلك فقد أثم في سماحته وتشديده حينئذ، ونقصه في أخذ الجيد أفضل، وهذا من دقائق الأعمال وباطن الشر في ظاهر الخير، اللهم إلاّ أن يأخذ الرديء ثم يلقيه ولا يخرجه إلى أحد، فإن فعل هذا كان فاضلاً محتسباً محسناً في سماحته وله باحتسابه ذلك مثوبة وأجر،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015