ذلك، فقيل له: إنه قد كان فاسقاً وكان كذا وكذا، فسكت، فأعاد عليه القائل فسكت، قال فمه كأنك قلت لي كان صاحب ميزانين يأخذ بأحدهما ويعطي بالأخرى، هذا على التغليظ والوعظ، أراد أنّ التطفيف مظالم بين الخلق وأنّ الفسق ظلم العبد لنفسه وبين مظالم العباد وظلم العبد لنفسه بون كبير من قبل أنّ الخلق فقراء جهلة نيام فيستوفون حقوقهم لحاجتهم إليها والله عزّ وجلّ عالم كريم غني فيسمح بحقه، ولا ينبغي للمشتري أن يسأل البائع الرجحان إلاّ الله عزّ وجلّ قال: (وَأَقيمُوا الوَزْنَ بِالقِسْطِ) الرحمن: 9، أي بالعدل، وهو السواء، وهو استواء اللسان في البكرة لا مائلاً إلى إحدى الكفتين، وفي قراءة عبد الله: ولا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط باللسان ولا تخسروا الميزان فهذا مفسر في هذا الحرف ومكروه المعاملة بالمزيفة، ولا يصلح بدرهم تكون الفضة فيه مجهولة أو مستهلكة ولا بما لا تعرف قيمته وما يختلط بالفضة من غيرها فلا تمتاز منه، فقد كان بعض السلف يشدد في ذلك ويحرمه منهم الثوري والفضيل بن عياض ووهب ابن الورد وابن المبارك وبشر بن الحارث والمعافى بن عمران رضي الله عنهم، ويقال: إنّ كل قطعة من المزيفة ينفقها صاحبها يجدها ملصقة في صحيفته بعينها وصورتها مكتوب تحتها ألف سيّئة، خمسة آلاف سّيئة على قدر وزنها، ووزن ذرة منها سيّئة، والذرة نقطة من هباء شعاع الشمس في الضوء.
حدثني بعض العلماء عن بعض الغزاة في سبيل الله عزّ وجلّ قال: حملت على فرسي لأتناول بعض العلوج فقصر فرسي فرجعت، ثم دنا مني العلج فحملت عليه ثانية لأتناوله فقصر فرسي، وحملت عليه ثالثة وقد قرب مني فنقر بي فرسي، ولم أكن أعتاد ذلك منه: فرجعت حزيناً، فجلست إلى جنب فسطاطي منكراً للذي فاتني من أخذ العلج، ولما اختلف عليّ من خلق فرسي قال: فوضعت رأسي على عمود الفسطاط فنمت وفرسي قائم بين يدي، فرأيت في النوم كأنّ الفرس يخاطبني ويقول لي: بالله عليك أردت أن تأخذ عليّ العلج ثلاث مرات، وأنت بالأمس اشتريت لي علفاً ودفعت في ثمنه درهماً زائفاً؟ لا يكون هذا أبداً، قال: فانتبهت فزعاً فذهبت إلى العلاّف فقلت له: أخرج إليّ الدراهم التي اشتريت بها منك بالأمس العلف، قال: فأخرجها إليّ، فأخذت منها الدرهم الزائف فقلت: إني كنت قد جوزت عليك هذا الدرهم بالأمس، قال: فأبدلته له وانصرفت، وقال عبد الوهاب: سألت بشراً عن المعاملة بالمزيفة فقال: سألت المعافى عنها فقال سألت الثوري عنها فقال حرام.
وحدثنا عن أبي داود قال: سمعت أحمد أنكر التجارة والمعاملة بالمزيفة والمكحلة، وقد كان بعض علمائنا يقول: إنفاق درهم مزيف أشد من سرقة مائة درهم، قال: لأن سرقة مائة درهم معصية واحدة منقضية، وإنفاق دانق مزيف بدعة أحدثها في الدين، وإظهار سنّة سيّئة يعمل بها بعده، وإفساد لمال المسلمين، فيكون عليه وزره إلى مائة سنة،