شقة من الخمسات بعشرة، فجاء ابن المنكدر فتفقد الشقاق فعرف غلطه فقال: ويلك أهلكتنا، اذهب فاطلب الأعرابي في الأسواق، فلم يزل يطلبه يومه أجمع حتى وجده، فقال له ابن المنكدر: يا هذا إنّ الغلام غلط فباعك ما يسوى خمسة بعشرة، فقال: يا هذا قد رضيت، فقال: وإن رضيت لنفسك فإنّا لا نرضى لك إلاّ ما نرضاه لأنفسنا فاختر إحدى ثلاث خصال، إما أن تأخذ شقة من العشرات بدراهك وإما أن نرد عليك خمسة، وإما أن ترد علينا شقتنا وتأخذ دراهمك، فقال: أعطني خمسة، قال: فأعطاه من دراهمه خمسة فانصرف الأعرابي فجعل يسأل عنه فيقول: من هذا الشيخ؟ فقيل: هذا محمد بن المنكدر فقال: لا إلّ إلاّ الله هذا الذي نستسقي به في البوادي إذا قحطنا.

وقد سئل بعض العلماء عن الورع في المبايعة فقال: لا يصحّ الورع في البيع إلاّ بحقيقة النصح، قال: وكيف ذلك؟ قال: إذا بعته شيئاً بدرهم نظرت فإن صلح لك أن تشتريه بدرهم فقد نصحته في البيع، وإن كان يصلح لك بخمسة دوانيق وقد بعته بدرهم فإنك إن لم ترضَ له ما ترضى لنفسك فقد ذهب النصح قال: فإذا عدم النصح ذهب الورع.

ويقال: إنَّ البائع يوقف يوم القيامة مع كل رجل كان باعه شيئاً وقفة ويحاسب عن كل واحد محاسبة حتى عدد مَنْ عامله ومَنْ اشترى منه في الدنيا، وذكر بعضهم قال: رأيت بعض التجار في النوم فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: نشر عليّ خمسين ألف صحيفة، فقلت: هذه كلّها ذنوب، فقال: هذه معاملات الناس عدد ما كنت عاملته في الدنيا لكل إنسان صحيفة مفردة فيما بينك وبينه من أول معاملته إلى آخرها، فإن كان البائع ذا ميزان فليرجح في الوزن إذا باع وأعطاه ولينقص نفسه إذا أخذ سيما إذا كان ذا ميزانين كان الأمر عليه أشد.

وكان بعضهم يقول: ألا أشتري الويل من الله بحبة؟ فكان إذا أخذ نقص نفسه بحبة وإذا أعطى زاد غيره حبة، لقوله عزّ وجلّ: (وَيْلٌ للمُطَفِّفينَ) المطففين: 1، يعني الذين رضوا بالتطفيف بالحبة والحبتين فباعوا بذلك جنة عرضها السموات والأرض لجهلهم بأمر الله تعالى وقلة يقينهم بالآخرة إذا اشتروا الويل بطوبى، ويقال: إنّ هذه المظالم لا ترد أبداً ولا تصحّ التوبة منها لتعذر معرفة أصحابها.

وروي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه اشترى شيئاً فلما وزن ثمنه قال للوزان: زن وأرجح، ونظر الفضيل بن عياض رحمه الله إلى ابنه عليّ وهو يغسل كحلاً من دينار أراد أن يصرفه فجعل ينقيه ويغسله من كحله، فقال له: يا بني فعلك هذا أفضل من عشرين حجة، وقال بعض أهل السلف: عجباً للتاجر والبائع كيف ينجو يزن ويحلف بالنهار وينام بالليل، وقال سليمان عليه السلام: كما تدخل الحية بين الحجرين كذلك تدخل الخطيئة بين المتبايعين.

وحدثت أنّ بعض السلف صلّى على مخنث قد كان يجمع بين النساء والرجال وغير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015