بسبعين ديناراً، قال: فلا الدلاّل اشترى منه ولا سري باعه، وحدثونا عن رجل من التابعين كان بالبصرة له غلام بالسوس فجهز إليه السكر فكتب إليه الغلام: إن قصب السكر قد أصابته آفة في هذه السنة فاشتر السكر قال: فاشترى سكّراً كثيراً، فلما جاء وقته ربح فيه ثلاثين ألفاً، قال: فانصرف بها إلى منزله فأفكر ليله في الربح فقال: ربحت ثلاثين ألفاً وخسرت نصح رجل من المسلمين، فلما أصبح غدا إلى الرجل الذي كان اشترى منه السكر فدفع إليه الثلاثين ألفاً فقال: هذه لك بارك الله لك فيها، قال: ومن أين صارت؟ قال: لما اشتريت منك؛ السكر لم آتِ الأمر من وجهه، إنّ غلامي قد كان كتب إليّ أنّ قصب السكّر أصابته آفة فلم أعلمك ذلك ولعلك لو علمت لم تكن تبيعني، فقال: رحمك الله قد أعلمتني الآن، وقد طيبتها لك، قال: فرجع إلى منزله فبات تلك الليلة ساهراً أو جعل يتفكر في ذلك ويقول: لم آتِ الأمر من وجهه ولم أنصح مسلماً في بيعه لعله استحيا مني فتركها لي فبكر إليه من الغد فقال: عافاك الله خذ مالك فهو أصلح لقلبي، قال: فدفع إليه ثلاثين ألفاً، وقال سليمان التميمي: لقد ترك محمد بن سيرين أربعين ألف درهم من شيء حاك في صدره، لم تختلف العلماء أن ليس به بأس.
ويقال: إنّ هذا كان سبب غلبة الدين عليه، ثم ليتّق البائع مدح السلعة وتنفيقها من خرف الكلام وليحذر المشتري ذمها وعيبها بما ليس فيها للخداع، وأما الإيمان على ذلك فهو معصية وممحقة للكسب، وقد كان السلف يشددون في ذلك، قال أبو ذر: كنا نتحدث أنّ من نفر لا ينظر الله إليهم، التاجر الفاجر، وكنا نعد من الفجور أن يمدح السلعة بما ليس فيها، قال يونس بن عبيد: وكان خزازاً فجاءه رجل يطلب ثوب خز، فأمر غلامه أن يخرج رزمة الخز، فلما فتحها قال الغلام: أسأل الله الجنة، فقال شدّ الرزمة، ولم يبع منها شيئاً خشية أن يكون قد مدح، ويقال: إنه كانت عنده حلل على ضربين أثمان ضرب منها أربعمائة كل حلة، وأثمان الآخر مائتان، فذهب إلى الصلاة وخلف ابن أخيه ليبيع فجاءه أعرابي يطلب حلة بأربعمائة فعرض عليه من حلل المائتين فاستحسنها ورضيها فاشتراها منه ومشى بها هي على يده ينظر إليها خارجاً من السوق فاستقبله يونس بن عبيد خارجاً من المسجد فعرف حلته فقال بكم أخذت هذه الحلة؟ فقال: بأربعمائة، فقال: لا تسوي إنما قيمتها مائتان فقال: يا ذا الرجل إنّ هذه تساوي ببلدنا خمسمائة درهم، فقال له يونس: إنّ النصح في الدين خير من الدنيا كلها ثم أخذ بيده فرده إلى ابن أخيه فجعل يخاصمه ويقول: أما اتقيت الله؟ أما أستحيت أن تربح مثل الثمن وتترك النصح لعامة المسلمين؟ فقال: والله ما أخذه إلاّ عن تراضي، فقال: وإن رضي ألا رضيت له ما رضيت لنفسك، ثم ردّ على الأعرابي مائتي درهم، وقد فعل مثل ذلك محمد بن المنكدر وكانت عنده شقاق جنابية وبصرية أثمان بعضها خمسة خمسة، وأثمان بعضها عشرة عشرة، فخلفه غلامه في الحانوت فغلط فباع أعرابيّاً