وسئل الحسن عن الصيرفي فقال: الفاسق لا تستظلنّ بظله ولا تصلّين خلفه، والبستاني والحمّال والملاح وصاحب الحمام والخشاش والمزين وقد كانت هذه الصنائع العشر أعمال الأخيار والأبرار الخرز والتجارة والحمل والخياطة والحذو والقصارة وعمل الخفاف وعمل الحديد وعمل المغازل وصيد البر والبحر والوراقة.
وحدثونا عن عبد الوهاب الورّاق قال: قال لي أحمد بن حنبل: ما صنعتك؟ فقلت: ورّاق، فقال: كسبك طيب وصنعتك طيبة ولو كنت صانعاً شيئاً بيدي لصنعت صنعتك، وقال لي: لا تكتب إلاّ مواصفة واستثن الحواش وظهور الأجزاء، وكان مالك بن دينار ورّاقاً وكان السلف يستطيعون كسبه وبفضلونه، وكل عمل يتقربّ به إلى الله عزّ وجلّ ويكون من أعمال الآخرة ومن البرّ المعروف، فأخذ الأجر مكروه عليه مثل تعليم القرآن، وتعليم العلم، أو مجالس الذكر والصلاة بالناس في رمضان، وغسل الموتى، وما كان في هذا المعنى، لأن هذه تجارات الآخرة، فلا تأخذ أجرها إلاّ من الآخرة، ومن أخذها من الدنيا فقد خسر خسراناً مبيناً إذا ربح المحتسبون فيها وأخذوا أجورهم التي صبروا عليها في دار الدنيا، وقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعثمان بن أبي العاص: واتّخذ مؤذناً لا تأخذ على الأذان أجراً.
ورووي عنه في فضل الاحتكار: من جلب طعاماً ما فباعه بسعر يومه فكأنما تصدق به، وفي لفظ، آخر: فكأنما أعتق رقبة، ومن العلماء من كان يجعل الاحتكار في كل مأكول من الحبوب والأدام مثل العدس والباقلا والسمن والعسل والشيرج والجبن والتمر والزيت، ويكره احتكار جميع ذلك، وروي نحو هذا عن ابن عباس في قوله عزّ وجلّ: (وَمَنْ يُرِدْ فيهِ بإلحَاد بِطُلْم نُذِقْهُ منْ عَذابِ أليمٍ) الحج: 25، قيل: الاحتكار من الظلم، وحدثونا عن بعض السلف أنه كان بواسط فجهز سفينة حنطة إلى البصرة وكتب إلى وكيله: مع هذا الطعام في يوم تدخل البصرة فلا تؤخره إلى غد، قال: فوافق السعر فيه سعة، قال له التجار: إن أخرته جمعة ربحت فيه أضعافاً فأخره جمعة فربح فيه أمثاله، وكتب إلى صاحبه بذلك فكتب إليه صاحب الطعام: يا هذا قد كنا قنعنا أن نربح الثلث مع سلامة ديننا وإنك قد خالفت أمرنا وقد جنيت علينا جناية، فإذا أتاك كتابي فخذ المال كله فتصدّق به على فقراء أهل البصرة وليتني أنجو من الاحتكار كفافاً لا عليّ ولا لي.
وحدث شيخنا عابد الشط مظفر بن سهل قال: سمعت غيلان الخياط يقول: اشترى سري السقطي كرّ لوز بستين ديناراً وكتب في رونامجه ثلاثة دنانير ربحه، فصار اللوز بتسعين ديناراً، فأتاه الدلاّل فقال له: إنّ ذلك اللوز أريده، فقال: خذه، فقال: بكم؟ قال: بثلاثة وستين ديناراً، قال له الدلاّل: إنّ اللوز قد صار الكرّ بسبعين ديناراً، قال له السري: قد عقدت بيني وبين الله عقداً لا أحله لست أبيعه إلاّ بثلاث وستين ديناراً، قال له الدلاّل: وأنا قد عقدت بيني وبين الله عقداً لا أحله، أن لا أغشّ مسلماً، لست آخذ منك إلاّ