عن الجماعة وإلاّ كان فاسقاً عند بعض العلماء، إلاّ أن يكون في الوقت سعة أو يكون ناوياً للصلاة في جماعة أخرى في مسجد آخر، فإدراكه لتكبيرة الإحرام في الجماعة أحبّ إليه من جميع ما يربح من الدنيا إلى أنْ يموت، وفوتها أشدّ عليه من جميع ما يخسر من الدنيا، هذا إن عقل وأبصر تبينّ له ذلك، وقد كان السلف من أهل الأسواق إذا سمعوا الأذان ابتدروا المساجد يركعون إلى وقت الإقامة، وكانت الأسواق تخلو من التجار، وكان في أوقات الصلاة معايش للصبيان وأهل الذمة، وكانوا يستأجرونهم التجار بالقراريط والدوانيق يحفظون الحوانيت إلى أوان انصرافهم من المساجد، وهذه سنّة قد عفت من عمل بها فقد نعشها، وجاء في تفسير قوله عزّ وجلّ: (رِجَالٌ لا تُلْهيهِمْ تِجَارَةٌ ولا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله وإقامِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزّكاةِ) النور: 36، قيل: كانوا حدادين وخرازين وكان أحدهم إذا رفع المطرقة أو غرز الأشفا فسمع الأذان لم يخرج الأشفا من الغرزة ولم يرفع المطرقة رمى بها وقاموا إلى الصلاة.
وروينا عن وهب قال: قال مالك رضي الله عنه في رجل باع بعد النداء يوم الجمعة: يفسخ ذلك البيع، قيل: عامل ترك القيام إليها وهو حر: قال: يستغفر ربه، وقال ربيعة: ظلم وأساء وقال مالك: يحرم البيع حتى يخرج الإمام يوم الجمعة، وليجتنب الصانع عمل الزخرف من الأشياء وما يكون فيه لهو وزينة من التصاوير والنقوش وتخريم العاج ودقائق النقوش من العاج وتشييد الجص والتزويق بالأصباغ المشهاة، فإن عمل ذلك مكروه وأخذ الأجرة عليه شبهة، وقد كان بعض السلف يقول: تخيّروا لأولادكم الصنائع، وروي عن حذيفة: أنّ الله عزّ وجلّ خلق كل صانع وصنعته، وقد كانوا يكرهون بيع الطعام وبيع الدقيق، وقد روي في كراهة بيعها حديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي الخبر: أنّ الله عزّ وجلّ يحب العبد الحاذق في صنعته، وفي خبر آخر: أنّ الله عزّ وجلّ إذا عمل عبده عملاً أحبّ أنْ يحكمه، وفي لفظ آخر: أن يتقنه، وأوصى بعض العارفين رجلاً فقال: لا تسلم ولدك في بيعتين ولا في صنعتين، بيع الطعام وبيع الأكفان، فإنما يتمنى الغلاء ويتمنى موت الناس، والصنعتان أن يكون جزاراً فإنها صنعة تقسي القلب، أو صوّاغاً فإنه يزخرف الدنيا بالفضة والذهب.
وروى عثمان الشحام عن ابن سيرين أنه كره الدلالة، وسعيد عن قتادة أنه كره أجر الدلال، وكانت العرب تقول: بعْ الحيوان واشترِ الموتان كأنهم كرهوا ردّ الثمن في الحيوان لما يخافون من تفله واستحبوا شراء الموات وهو ما لا روح فيه، وقد كانوا يستحبون التجارة في البز، قال ابن المسيب: ما من تجارة أحبّ إليّ من البزاز إن لم يكن فيه إيمان، وقد روي خبراً آخر: لو اتّجر أهل الجنة لاتّجروا في البزّ، ولو اتّجر أهل النار لاتّجروا في الصرف، وقد كره الحسن وابن سيرين رضي الله عنهما التجارة في الصرف،