تَقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ) النساء: 29، وليس هذا من سبيل المؤمنين، وقد قال الله تعالى: (وَيَتَّبعْ غَيْرَ سَبيلِ المُؤْمِنينَ نُوَلّهِ ما تَوَلىّ وَنُصْلِهِ جَهَنّّمَ) النساء: 115، ولا ينبغي للسوقي أن يشغله معاش الدنيا عن الآخرة، ولا تقطعه تجارة الدنيا عن تجارة الآخرة، ولا يمنعه سوق الدنيا عن سوق الآخرة، لأنه من الموقنين، وبيوت الله عزّ وجلّ في الأرض هي أسواق للآخرة، قال الله عزّ وجلّ: (رِجَالٌ لا تُلْهيهِمْ تِجارَةٌ ولا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله وإقامِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ) النور: 37، وقال الله عزّ وجلّ: (في بُيُوتٍ أذِنَ الله أنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فيها اسْمُهُ يُسَبِّح لَهُ فيها بِالغُدُوِّ والآصالِ) النور: 36، رجال، فليجعل العبد طرفي النهار لخدمة سيده يذكره ويسبحه في بيته بحسن معاملته.

وقد كان عمر رضي الله عنه يأمر التجار فيقول: اجعلوا أول نهاركم لله عزّ وجلّ وما سوى ذلك لنفوسكم، وفي أخبار السلف كانوا يجعلون أول النهار للآخرة وآخره لدنياهم، ويقال: إنّ الهريسة والرؤوس لم يكن يبيعها في الشتاء إلاّ الصبيان وأهل الذمة لأن الهراسين والرآسين يكونون في المساجد إلى طلوع الشمس، ويقال إنهم: كانوا يجتمعون في المساجد بعد العصر للذكر والتسبيح حتى يدخل الرجل فيقول: أصلّيتم العصر؟ يظن أنهم قعود للصلاة، وإنما كانوا يقعدون للتسبيح إلى غروب الشمس وهذا طريق قد درس، فمن عمل به فقد كشفه، وقال بعض العارفين: الناس ثلاثة، رجل شغله معاده عن معاشه فتلك درجة الفائزين، ورجل شغله معاشه لمعاده فتلك درجة الناجين، ورجل شغله معاشه عن معاده فهو حال الهالكين، وقال عالم فوقه: من أحبّ الله عاش ومن أحبّ الدنيا طاش، والأحمق يغدو ويروح في لاش، وكان ابن عمر رضي الله عنه إذا دخل السوق يقول: اللهم إني أعود بك من الكفر والفسوق ومن شرّ ما أحاطت به السوق، اللهم إني أعوذ بك من يمين فاجرة وصفقة خاسرة، ولذكر الله عزّ وجلّ في السوق ما لا يجد في سواه فيلعتمد ذكر الله تعالى ساعات الغفلة وحين تزاحم الناس في البيع والشراء، وكان الحسن يقول ذاكراً لله في السوق: يجيء يوم القيامة وله ضوء كضوء القمر وبرهان كبرهان الشمس ومن استغفر الله في السوق غفر له بعدد أهله.

وفي الخبر العام: ذاكر الله في الغافلين كالمقاتل عن الفارين وكالحي بين الأموات، وفي الخبر الخاص: من دخل السوق فقال: لا إله إلاّ الله وحده، لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حيّ لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألفي ألف حسنة، وكان ابن عمر ومحمد بن واسع رضي الله عنهم، يدخلان السوق قاصدين يذكران الله عزّ وجلّ طلباً للفضيلة، وفإن دخلت سوقاً أو كنت فيه فلا يفوتنّك التهليل والذكر فهو عمل وقتك، ولا تقعدن في السوق لغير ذكر الله أو غير معاش، فقد كره ذلك، وإذا سمعت التأذين للصلاة فلتأخذ في أمر الصلاة ولا تؤخرها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015