وقد لعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المحلل والمحلل له. وقال بعض العلماء: إنّ نكاح الأول بعده على التحليل لا يجوز أيضاً، وهذا كله ثمرة الجهل ومخالفة السنة. وقد قال الله تعالى: (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهنَّ) الطلاق: 1، ثم قال: لا تدري لعلّ الله يحدث بعد ذلك أمرًا يعني ندمًا من المطلق فتعجب الزوجة، فإذا كان قد طلق تطليقة واحدة أو اثنتين حلت له من العدة من غير عقد وبعد انقضائها بغير زوج ثم قال: (ومَنْ يتّق الله يجعل له مخرجاً) أي يتّقي الله فيطلق في العدة يجعل له مخرجًا في جواز الرجعة كما ذكرناه ومن طلق ثلاثًا مرة واحدة أو طلق في الحيض، وقع الطلاق وحرمت المرأة ولم تحل له إلاّ بعد زوج إن كان قد خالف السنّة ووافق كراهة الأئمة بآثار، قد كثرت في ذلك عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن عمر وابنه وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وابن عباس وجملة من الصحابة والتابعين، والأصل فيما ذكرناه من العزيمة والرخصة في فعل النكاح وتركه قول الله عزّ وجلّ: (وَانْكِحُوا الأيامى مِنْكُمْ) النور: 32، فأمر بالنكاح وهو أعلم بالخير والصلاح، والأيامى جمع أيم وهي التي لا بعل لها، وقد يسمى به الرجل الذي لا زوجة له أيضًا كما يقال ثيبًا وبكرًا ثم قال: (والصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ) النور: 32. فلولا أنّ النكاح فاضل ما خص به الصالحين وضمه إلى فضلهم، وهم أهل ولايته لقوله عزّ وجلّ وهو يتولى الصالحين، ثم قال: (إن يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهمُ الله من فَضْلِهِ) النور: 32، والله أعلم بالأغنياء كيف هم وقد يغنيهم بالأشياء كقوله: (أَغْنى وأَقْنى) النجم: 48، وقد يغنيهم عن الأشياء وهي القناعة والزهد، وقد يغني نفوسهم عن الإعراض لقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ليس الغني بكثرة العرض إنما الغني غني النفس، وقد يغنيهم باليقين كما قال أيضًا: كفى باليقين غنى. وقد يغنيهم بغض البصر وتحصين الفرج كما قال: من استطاع الباءة فليتزوّج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ثم إنّ الله عزّ وجلّ قال في الخبر الثاني: من وعد الغني في التفرق وذلك أيضًا في قوله عزّ وجلّ: (وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ الله كُلاً مِنْ سَعَتِهِ) النساء: 3. فقد أجمل وجوه الإغناء كلها في هذا المعنى الآخر أيضًا، ويزيد عليه الغنية بالعصمة والاستغناء عن المكاسب وعن السؤال والمحاسبة على الاكتساب، والغنية عن حال النساء وأحكامهن. ثم قال في الأمر الثاني من البيان الثاني: (فانْكِحوا ما طابَ لَكُمْ مِنْ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) النساء: 3. فهذا أدون من الأول لأنه علقه باختيارنا إنْ طاب لنا، ثم رفع فيه الأربع توسعة منه وتفضيلاً لعلمه بعلاج القلوب وطبائع النفوس وتفاوت سكونها وحركاتها، ووجود كفايتها ومصالحها ثم رحمنا فقال: (فإنْ خِفْتُمْ ألاّتَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أوْ ما مَلَكِتْ أيْمَانُكُمْ ذلك أدْنى ألاَّ تَعُولُوا) النساء: 3. فرد إلى الواحدة وهو الحال الأوسط بين الأربع وبين التعزب، وخير الأمور