وجعل ذلك في وصفهم في قوله عزّ وجلّ: (يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبّ لنَا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّياتِنا قُرَّةَ أعْيُنٍ) الفرقان: 74، وقرّة أعين لا يشغل ولا يحجب عن قرّة العين بل يكشف عنه ويقرب منه، كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حبّب إليّ من دنياكم ثلاث، الطيب، والنساء، وجعل قرّة عيني في الصلاة، وقد كان أبو سليمان يقول: إنما تركوا التزويج لتتفرغ قلوبهم لذكره، وروينا عن ابن أبي الحواري الحديث الذي رواه عن حبيش عن الحسن: إذا أراد الله بعبد خيراً لم يشغله بأهل ولا مال، قال أحمد رضي الله عنه: فناظرنا في الحديث جماعة من العلماء، وإذًا ليس معناه أنه لا يكون له امرأة ولا ولد ولكن يكونون له ولا يشغلونه، وإنما يحسّ النكاح بمشغول الهمّ عن الفكر، فيه ذي نفس مطمئنة وعين خاشعة لرب ذي سكينة وقلب ذي خشية، كما حدثونا عن داود الطائي أنه قال: منذ خمسين سنة ما خالط ذكري ريح، وقيل لبعضهم: هل دخل ذكرك ريح بشهوة؟ فقال: أما منذ قرأت القرآن فلا، وقال بعض العلماء: منذ عشرين سنة ما وقع نظري على فرجي قاما بطال ذو نفس أمارة ونظرة ثاقبة وشهوة قوية، فالنكاح من أحسن أعماله وأرفع أحواله، لأنّ المباح مقام من لا مقام له، فإن عزم العبد على النكاح فلا يكون همه من النساء إلاّ ذات دين وصلاح، والعقل والقناعة فليس تخلص له النيّات التي ذكرناها آنفاً إلاّ على هذه القواعد، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تنكح المرأة لمالها وجمالها وحسنها ودينها فعليك بذات الدين، وفي لفظ آخر: من نكح المرأة لمالها وجمالها حرم مالها وجمالها، ومن نكحها لدينها رزقه الله عزّ وجلّ مالها وجمالها، وروينا أيضًا: لا تنكحوا المرأة لجمالها فلعل جمالها يرديها، ولا لمالها فلعل مالها يطغيها، وانكحوا المرأة لدينها فنكاح المرأة للدين والصلاح طريق من الآخرة، والرغبة في المرأة الناقصة الخلق الدنيئة الصورة الكبيرة السن، السن باب من الزهد، وقد كان أبو سليمان يقول: الزهد في كل شيئ حتى يتزوّج الرجل العجوز أو غير ذات الهيئة إيثارًا للزهد في الدنيا، وكان مالك بن دينار يقول: يترك أحدهم أن يتزوّج يتيمة فيؤجر فيها إنْ أطعمها وكساها تكون خفيفة المؤونة ترضى باليسير ويتزوّج بنت فلان وفلان، يعني أبناء الدنيا، فتشتهي الشهوات عليه وتقول: اكسني ثوب كذا واشتر لي مرط حرير فيتمرط دينه.

وقد أختار أحمد بن حنبل رضي الله عنه امرأة عوراء على أختها صحيحة جميلة، فسأل من أعقلهما؟ قيل: العوراء، فقال: زوّجوني إياها، وقد يكون في تزويج المرذولة المجذوعة فيه بأن يرفع قلبها إذ لا يرغب في مثلها، واستحبّ له أن ينظر إلى وجهها قبل التزويج بها وإلى ما يدعوه إليها، فإن ضمّ إلى الوجه والكفين فلا بأس بذلك عند علماء الحجاز، ففي النظر إلى الوجه أحاديث مأثورة، منها حديث محمد بن مسلمة قال: رأيته يتبع النظرة فتاة في الحي حتى توارت بالنخل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015