فقلت له: تفعل هذا وأنت من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فقال: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرنا بهذا، قال: إذا أوقع الله عزّ وجلّ في قلب أحدكم خطبة امرأة فلينظر إليها ليرى منها ما يدعوه إليها، وفي الحديث الآخر إن في أعين الأنصار شيئاً، فإذا أراد أحدكم أن يتزوّج منهن فلينظر إليهن، في لفظ آخر: إذا أوقع في نفس أحدكم من امرأة شيئ فلينظر إليها فإنه أحرى أنْ يؤدم بينهما، يعني يؤدم وقوع الأدمة على الأدمة، وهو أبلغ من البشرة لأنّ البشرة ظاهر الجلد والأدمة باطنه جاء، هذا في المبالغة على ضرب المثل، وقد كان الأعمش يقول: كل تزويج يقع عن غير نظر يكون آخره غمّاً وهمّاً ولا يغالي في المهر، فقد تزوّج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض نسائه على عشرة دراهم وأثاث البيت، وكان رحى يد، وجرة، ووسادة من أدم وحشوها ليف، وأولم على أحد نسائه بمدّين من شعير، وعلى أخرى بمدّي تمر، فالوليمة سنّة وترك الإجابة إليها معصية، وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينهي عن المغالاة بمهور النساء ويقول: ما تزوّج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امرأة من نسائه ولا زوج على أكثر من أربعمائة درهم.

وروينا عن عائشة رضي الله عنها: كانت مهور أزواج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثني عشرة وقية ونصفًا، وقد كان يزوّج أصحابه على وزن نواة من ذهب، والنواة صغيرة وهي نواة التمر الصيحاني، يقال: قيمتها خمسة دراهم، وفي خبر: زوّج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض أصحابه على نواة من ذهب قومت ثلاثة دراهم وثلث، وقد زوّج سعيد بن المسيب، وهو من خيار التابعين وعلمائهم، ابنته من أبي هريرة على درهمين، ثم حملها هو إليه ليلاً، ولا أكره التزويج على عشرة دراهم، وهو أكثر الاستحباب في القلة ليخرج من اختلاف العلماء، ولا أستحبّ أن لا ينقص المهر عن ثلاثة دراهم، وهذا هو القول الأوسط من مذاهب الفقهاء وفي هذه القيمة تقطع يد السارق، وهذا مذهب بعض أهل الحجاز.

وقد روينا: أبركهن أقلهن مهراً، وروينا أيضاً من بركة المرأة سرعة تزويجها وسرعة رحمها، يعني الولادة ويسر مهرها، قال عروة: وأقول فإن من شؤمها كثرة صداقها، ولا يصلح للمتزوّج أن يسأله أي شيئ للمرأة ولا يحل له أن يدفع شيئاً ليأخذ أكثر منه، ولا يحلّ لهم أن يهدوا إليه شيئاً ليضطروه أن يكافئ بأكثر منه، وليس عليه أن يزيد بأكثر من قيمته إن كافأ، وله أن لا يقبل هديتهم إن علم ذلك منهم، وهذا كله بدعة في النكاح، وهو كالتجارة في التزويج، وهو داخل في الربا، وهو يشبه القمار، ومن زوّج أو تزوّج على هذا بهذه النية فهي نية فاسدة وليس نكاحه هذا للدين ولا للآخرة، وكان الثوري يقول: إذا تزوّج الرجل وقال: أي شيء للمرأة فاعلم أنه لصّ، فلا تزوّجوه، ولا ينكح إلى مبتدع، ولا فاسق، ولا ظالم، ولا شارب خمر، ولا أكل الربا، فمن فعل ذلك فقد ثلم دينه، وقطع رحمه، ولم يحسن الولاية لكريمته، لأنه ترك الإحسان، وليس هؤلاء أكفاء للحرة المسلمة العفيفة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015