وقد روي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ حسنت صلاته وكثر عياله، وقلّ ماله ولم يغتب المسلمين، فهو معي في الجنة كهاتين.
وفي حديث آخر: أنّ الله تعالى يحب الفقير المتعفف، أبا العيال ومن النية في ذلك أنّ الأهتمام بمصلحتهم، والغم على نوائبهم زيادة في حسناتهم، لأنه عمل من أعماله، وفي الخبر: إذا كثرت ذنوب العبد إاتلاه الله تعالى بالهم ليكفرها، وقال بعض السلف: من الذنوب ذنوب لا يكفرها إلاّ الغم بالعيال، وقد روينا: أنّ من الذنوب ذنوبًا لا يكفرها إلاّ الهم بطلب المعاش، وله في الصبر عليهن وجميل الاحتمال لأذاهن، وفي حسن العشرة لهن مثوبات وأعمال الصالحات، وربما كان موت العيال عقوبة للعبد ونقصان حظ، إذا كان الصبر عليم والإنفاق مقاماً له كان عدم ذلك مفارقة لحاله نقص به، وحدثنا بعض العلماء: أنّ بعض المتعبدين كان له زوجة، وكان حسن القيام عليها إلى أنْ توفيت، فعرض عليه إخوانه التزويج فامتنع وقال: إنّ الوحدة أروح لقلبي وأجمع لهمي قال: فرأيت في المنام بعد جمعة من وفاتها، كأن أبواب السماء قد فتحت، وكان رجالاً ينزلون ويسيرون في الهواء يتبع بعضهم بعضًا، وكلما نزل واحد نظر إلي فقال: لمن وراءه هذا هو المشؤوم فيقول: نعم ويقول الثالث: لمن وراءه هذا هو المشؤوم فيقول الرابع: نعم قال: فراعني ذلك وعظم عليّ، وهبتهم أن أسألهم إلى أنّ مر بي آخرهم وكان غلامًا فقلت له: يا هذا، من المشؤوم الذي تومؤون إليه قال: أنت قلت: ولِمَ ذلك؟ قال: كنا نرفع أعمالك في أعمال المجاهدين في سبيل الله تعالى، فمنذ جمعة أمرنا أنْ نضعها في أعمال المخالفين، فما أدري ماذا أحدثت فقال لإخوانه: زوّجوني، زوّجوني فلم يكن يفارقه زوجة أو زوجتان أو ثلاث، وربما كانت النفس الأمارة أضر على العبد من أربع نسوة، وإنما كره من كره الأهل والولد لأجل الشغل بهم عن الله تعالى وما قرب إليه، فإذا كان من لا أهل له ولا ولد مشغولاً ببطالته عن الله عزّ وجلّ، منهمكاً في شهواته عن سبيل هؤلاء، كان أسوأ حالاً من ذي الأهل والولد وقد جعل من لا يطلب الأهل والمال للكفاف به والإفضال في المنزل المكروه.
وقد روي في الخبر: أنّ من أهل النار الضعيف الذي لا دين له، هو فيكم تبع، لا يبغون أهلاً ولا مالاً، قيل: هم السؤال المنهومون في المسألة، الذي همه بطنه لا يبالي كيف طلب ولا على أي حال من الفحش تقلب، فمن لم يشغله أهله وماله عن الله عزّ وجلّ كان أفضل ممن لا أهل له ولا ولد، فهو عبد بطنه وفرجه، أسير هواه وشهوته، وقد أخبر الله تعالى أنّ للمؤمنين أموالاً وأولاداً، ثم أمرهم أن لا يشغلهم ذلك عن الله عزّ وجلّ، وقد وصف أقواماً بأن بيعهم وتجارتهم لا تشغلهم عن عبادته، وأنهم أهل خوف من يوم تنقلب فيه القلوب والأبصار، وقد مدح قومًا فسألوه الأزواج والذرية،