واستحب للرجل إذا أراد التزويج أنْ يشرح حاله ويبين أخلاقه للمرأة، حتى تكون على بصيرة من أمره ويقين من حاله، ويدخل على إختيار منها، فذلك من الورع وقد فعله بعض السلف، وقد تزوج رجل على عهد عمر رضي الله عنه، وكان يخضب بالسواد فلما دخل بأمراته نصل خضابه فظهرت شيبته، فاستعدى أهل المرأة وقالوا: نحن حسبناه شابًا فأوجعه ضربًا وقال: غررت القوم وفرق بينهما.
وروينا عن شعيب بن حرب، لما أراد أنْ يتزوج قال للمرأة: إني سيّء الخلق فقالت: يا هذا، أسوأ خلق منك من يحوجك إلى سوء الخلق.
وروي ضد هذا أنّ رجلاً أراد أنْ يتزوج فقال للمرأة: إنّ لي أخلاقًا أوقفك عليها فإن رضيت بها تزوّجتك فقالت: افعل فقال: أنا رجل ملول حقود، سيّء الظن غيور، ضيق الصدر واسع الضرب، إنْ كثرت عندي مللت، وإنْ أبعدت قلقت، وإنْ تكلمت أوغرت صدري، وإنْ سكت أشغلت قلبي، فقالت المرأة: أما بعد فقد ذكرت من نفسك أخلاقاً ماكنا نرضاها لبنات إبليس فكيف نرضاها لبنات آدم، انصرف راشداً لا حاجة لنا بك، ومن خشي على نفسه الآفات ووفق له امرأة فيها بعض الخصال المحمودة، فالتزويج له أفضل فليكن له حينئذ في التزويج نيّات، لأنه من أكبر الأعمال ولا يكون نكاحه لأجل هواه مجرداً فقد قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: إذا وافق الحق الهوى فذلك الزبد بالبرّ سيّان، فلتكن نيته إقامة سنّة وصلاح قلب، وسلامة دينه وغض بصره، وتحصين فرجه فقد أمر بذلك، ويحتسب في الكسب على العيال التوبة من الله عزّ وجلّ، ويحتسب مثل ذلك في نصحه لها في أمر الآخرة كما يحبه لنفسه، حتى يؤجر بسببها مثل ما يثاب لنفسه، فهو من النصيحة لها والإشفاق عليها، وليجعل ذلك لوجه الله سبحانه فقد روى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أنفق الرجل على أهله فهو له صدقة، وإنّ الرجل ليؤجر في رفع اللقمة إليّ في إمرأته، ومنها إنه كالمجاهد في سبيل الله، وقال رجل لبعض العلماء وهو يعدد نعم الله عزّ وجلّ عليه: من كل عمل قد أعطاني الله تعالى نصيباً، حتى ذكر الحج والجهاد وصنوف العبادات فقال له العالم: فأين أنت من عمل الأبدال قال: وما هو قال: كسب الحلال والنفقة على العيال، وقال ابن المبارك لإخوانه وهم في الجهاد: تعلمون عملاً أفضل مما نحن فيه قالوا: ما نعلم، ذاك جهاد في سبيل الله وقتال لأعدائه، أيّ شيء أفضل منه قال: لكني أعلم قالوا: ما هو قال: رجل متعفف ذو عيلة، قام من الليل فنظر إلى صبيانه نياماً متكشفين فسترهم وغطاهم بثوبه، فعمله هذا أفضل من جهادنا في سبيل الله عزّ وجلّ وقال رجل لبشر: قد أضرّني الفقر والعيال فادعُ الله لي فقال له بشر: إذا قال لك عيالك: ليس عندنا خبز ولا دقيق ونحن جياع فادعُ الله لي أنت ذلك الوقت، فإن دعاءك أفضل من دعائي،