الرزّاق، ومع ذلك فلا أحب أنْ أكون مشؤومة عليه أقطعه عن سبيل الخير.
قال أحمد بن عيسى الخراز لما تزوّج بامرأة عليّ: أي شيئ تزوّجت بي ورغبت فيّ قالت: على أنْ أقوم بحقك عليّ وأسقط حقّي عليكّ، وخطبت رابعة بنت إسماعيل بن أبي الحواري، فكره ذلك لما فيه من العبادة فألحت عليه وأكثرت فقال لها: يا هذه، مالي همة في النساء لشغلي بحالي فقالت يا هذا، إني لأشغل بحالي من شغلك بحالك، ومالي شهوة في الرجال، ولكني ورثت عن زوجي ثلاثمائة ألف دينار وهي حلال، وأردت أنْ أنفقها عليك وعلى إخوانك، وأعرف بك الصالحين فتكون طريقاً إلى الله عزّ وجلّ فقال: حتى أستأذن أستاذي قال: فجئت إلى أبي سليمان فذكرت قولها، وقد كان ينهاني عن التزويج ويقول: ما تزوج من أصحابنا إلاّ تغير، فلما ذكرت له ما قالت، أدخل رأسه في جيبه وسكت ساعة، ثم رفع رأسه وقال: يا أحمد، تزوّج بها فإن هذه وليّة لله تعالى، وهذا كلام الصديقين قال: فتزوّجت بها قال أحمد: فكان في منزلها كرّ من جص، فلم يبقَ منه شيء في غسل أيدي المستعجلين للخروج بعد الأكل سوى من كان يغسل يده بالأشنان في البيت قال: وتزوّجت عليها بثلاث نسوة، فكانت تطعمني من الطيبات وتطيبني وتقول: اذهب بقوتك ونشاطك إلى أزواجك، فكانت هذه من أرباب القلوب، وكان الصوفية يسألونها عن الأحوال، وكان أحمد يرجع إليها في بعض المسائل، وكانت فاضلة تشبه في أهل الشام برابعة العدوية في أهل البصرة، وقد كان أبو سليمان يقول في التزويج قولاً عدلاً: من صبر على الشدة فالتزويج له أفضل، والوحيد يجد من حلاوة العمل وفراغ القلب ما لا يجد المتأهل، وقال مرة: ما رأيت أحداً من أصحابنا تزوّج وثبت على مرتبته الأولى، وروينا عنه أنه قال: ثلاث من طلبهن فقد رغب في الدنيا، من طلب معاشاً، أو تزوّج أو كتب الحديث، ولعمري أنّ المرأة تحتاج إلى فضل مداراة ولطيفة من الحكمة، وطرف من المواساة وباب من الملاطفة، واتساع صدر للنفقة وحسن خلق، ولطف لفظ وهو لا يحسنه إلاّ عالم حليم، ولا يقوم به إلاّ عارف حكيم، فمن لم يقم بذلك ولم يهتدِ إليه، ولم يعتد للنفقة ولم يألف الجماعة، وكان قد ألف وحدته وأعتاد الانفراد بأكلته، وكان ضيق القلب بخيل الكف، سيءّ الخلق غليظ القلب، فظ اللفظ فالوحدة لهذا أصلح، والبعد من النساء لقلبه أروح، فمتى تزوّج من هذا وصفه عذب وعذب، وآذى وتآذى، وأثم وآثم به لأن النساء يحتجن إلى فضل حلم يحمل سفههن، وإلى سعة علم يغمر جهلهن، وإلى حسن لطف وحكمة يداري أخلاقهن ويتغافل عن زللهن، فإذا كان الرجل جاهلاً سفيهاً، أو كان سيءّ الخلق فظاً غليظاً، اجتمع الجهل فافترق العقل وتقادح الجفاء، وغلظ القلب والأذى فسد أكثر مما يصلح، وتنافرا ولم يكن بينهما أبدًا صلح، وليس هو وصف العقلاء،