عليك أنْ تحمل، فقد أذنا لك أنْ تكون في بيت عائشة رضي الله عنها فقال: قد رضيتن بذلك قلن: نعم قال: فحولوني إلى بيت عائشة، فلذلك كانت تقول: قبض في بيتي وبين سحري ونحري تفتخر بذلك، ثم قال الله تعالى عزّ وجلّ: (فلا تَميلوا كُلَّ المَيْلِ) النساء: 129 يعني على واحدة دون الأخرى في التقصير والنفقة فتذروها كالمعلقة أي موقوفة غير مستقرة، كأنها لا ذات زوج ولا مطلقة، أي لا أيم فتتحمل لنفسها ولا ذات زوج ينفق عليها فتستغني بزوجها.
والعرب تقول: علقت الأمر إذا أوقفته، وقول معلق أي موقوف غير مطلق بحكم، فعليه أنْ يقسم بينهن أيامه ولياليه، فيكون عند كل واحدة يوماً وليلة، إلاّ أنْ تهب لصاحبتها ليلتها أو تسمح له بذلك، فكذلك كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقسم بين نسائه، فأراد أنّ يطلق سودة بنت زمعة لما كبرت فوهبت ليلتها لعائشة، وسألته أنْ يقرها على الزوجية لتحشر في نسائه، فتركها ولم يكن يقسم لها، فكان يقسم لعائشة ليلتين ولسائر أزواجه ليلة ليلة، إلاّ أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لشدة عدله كانت نفسه إذا تاقت إلى واحدة في غير ليلتها أو نهارًا في غير يومها تاه فجامعها، ثم طاف في ليلته على سائرهن، وكذلك كان يفعل في يومه، فمن ذلك ما روي عن عائشة رضي الله عنها وغيرها، أنّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف على نسائه في ليلة واحدة، وعن أنس، طاف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على تسع نسوة في ضحوة ومن لم يكن له إلاّ واحدة استحب له أنْ يفضي إليها في كل ثلاث ليال بمنزلة من له أربع نسوة، ويكون يباشرها في الليلة الرابعة، وبهذا قضى عمر وكعب بن الأسود رضي الله عنهما للرجل أن يأتيها في كل أربع ليال ليلة، فإن علم أنّ حاجتها إلى أكثر من ذلك كان عليه أن يفعل ماهو أقرب إلى تحصينها وأثبت لعفافها، وإنْ علم منها كراهة ذلك وقلة همتها له لم يكن عليه الإفضاء إليها إلاّ في كل شهر مرة أو في كل سنة مرة، وعليها أنْ لا تمنعه ليلاً ولا نهارًا في كل وقت، وإن كانت صائمة فلا يحل لها أن تصوم إلاّ بإذنه، وتزوّج عليّ عليه السلام بعشر نسوة وتوفي عن أربع وسبع عشرة سرية، وكان بعض أمراء الشام إذا بلغه عنه كثرة نكاحه يقول: ليست بنكحة ولا طلقة يعرض له بذلك، ويقال أنه تزوّج بعد وفاة فاطمة صلوات الله عليها وعلى أبيها بتسع ليال، ونكح أُمامة ابنة زينب ابنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كانت فاطمة صلوات عليها أوصته بذلك، وتزوّج الحسن بن عليّ رضي الله عنهما مائتين وخمسين امرأة وقيل ثلاثمائة، وقد كان عليّ عليه السلام يضجر من ذلك ويكره حياء من أهليهن إذا طلقهن وكان يقول: إنّ حسناً مطلقاً فلا تنكحوه فقال له رجل من همدان: والله يا أمير المؤمنين، لننكحنه ما شاء فمن أحب أمسك ومن كره فارق، فسرّ عليّ رضي الله عنه بذلك وأنشأ يقول:
ولو كنت بواباً على باب جنة ... لقلت لهمدان ادخلي بسلام