الروم: 21، فإن وجد العبد سكون النفس ورحمة القلب ومودة المرأة في الواحدة، فهو من آيات الله عزّ وجلّ وهي كفايته وغنيته، وإنْ لم يجد السكون ولا الرحمة ولا المودة إلاّ في الأربع، فهن حينئذ كفايته وقنيته، والله تبارك وتعالى يغني بالواحدة ويقني بالأربع، أي يجعل غنيًا ويجعل قنية جماعة ومدخرًا، وذلك أيضًا من آيات الله تعالى واختياره لمن قوي عليه واستقام به، وقد شبه بعض الناس الأزواج بالقمص فقال: ليس من السرف أنْ يجمع الرجل أربعة أقمصة، وما زاد على ذلك كان سرفاً، كما إنّ الله عزّ وجلّ أمر بالجمع بين الأربع من النساء، ويصلح أنْ يستدل له بقوله تعالى: (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ) البقرة: 187، فجعلهن في معنى الملبوس ورفع فيهن إلى الأربع وفي قوله تعالى: (فانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) النساء: 3، ثم ابتدأ فنص على مثنى ولم يقل: إحدى على الندب والاستحباب للجمع بين اثنين، وإنّ العدل قد يوجد ويقدر عليه معهما، ثم رد إلى الواحدة لمن خاف الجور فيهن فقال تعالى: (فإنْ خِفْتُمْ أن لا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً) النساء: 3، ففي دليل الخطاب أشتراط العدل في الأربع، ثم ذكره بقوله: (ذَلكِ أدْنى أن لا تَعُولُوا) النساء: 3، يعني أقرب أن لا تجوروا، وقد قال بعض الفقهاء من أهل الحجاز واللغة: لا تعولوا، أي لا تكثر عيالكم، والأول أحب إليّ، لأنه أشبه بالقرآن كأنه عطف على النص لما قال: أنْ لا تعولوا، قال: ذلك أدنى أنْ لا تجوروا، والأول أحب إليّ، ويصلح هذا الوجه أيضًا في اللغة من قال: عال يعول، بمعنى أعال يعيل، وأكثر العرب فرقت بين ذلك يقولون: عال يعول إذا جار، وأعال يعيل من العيلة إذا كثر عياله، وشاذ نادر من يجعلها لغتين بمعنى فليتوخّ العدل بين أزواجه، من جمع بينهن في النفقة والكسوة والمبيت، ولا يحيف على بعض فيقصر عن كفايتها وواجبها في ذلك.
فقد جاء في الحديث: من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما دون الأخرى، وفي لفظ آخر، فلم يعدل بينهما، جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل ولا عدل عليه في المحبة والجماع، لأن ذلك لا يملك إذاً سوى بين البيتوتة، ولا عليه أيضاً أنْ يجامع من بات عندها إنما عليه المبيت ليلة وليلة وفي تفسير قوله تعالى: (وَلَنْ تَسْتطيعُوا أنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساء ولوْ حرَصْتُمْ) النساء: 129، قال: لا تقدروا على العدل بينهن في الحب والجماع، لأن ذلك فعل الله عزّ وجلّ في القلوب وفي شهوة النفس، وروينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يقسم بين نسائه في العطاء والمبيت، وكان يقول: اللهم هذا جهدي فيما أملك ولا طاقة لي فيما تملك ولا أملك، يعني في المحبة والجماع، فقد كان يحب بعضهن أكثر من بعض وكانت عائشة رضي الله عنها أحبهن، وكان يطاف به محمولاً في مرضه في كل يوم وليلة فيقول: أين أنا غدًا ففطنت امرأة منهن فقالت: إنما يسأل عن يوم عائشة رضي الله عنها فقلن: يا رسول الله إنّه ليشق