وقد كان بعض الصحابة، انقطع إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخدمه ويبيت عنده لحاجة إنْ طرقته فقال له: ألا تتزوج فقال: يا رسول الله، أنا فقير لا شيء لي وأنقطع عن خدمتك، فسكت عنه ثم أعاد عليه ثانية: ألا تتزوج، فقال له مثل ذلك، ثم تفكر الصحابي في نفسه فقال: والله لرسول الله أعلم بما يصلح في دنياي وآخرتي، وما يقربني إلى الله عزّ وجلّ مني لئن قال لي الثالثة لأفعلن فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ألا تتزوج قال: فقلت: يا رسول الله زوجني قال: اذهب إلى بني فلان فقل لهم إنّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمركم أنْ تنكحوني فتاتكم قال: فقلت: يا رسول الله إنّه لا شيء لي فقال لأصحابه: اجمعوا لأخيكم وزن نواة من ذهب، فجمعوا له وذهب إلى القوم فأنكحوه، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أولِمْ فقال: يار سول الله لا شيء عندي فقال لأصحابه: اجمعوا لأخيكم ثمن شاة، فجمعوا له وأصلح طعاماً، ودعا عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، وفي الخبر المشهور: من كان ذا طول فيلتزوج، وفي لفظ آخر: من استطاع منكم الباءة يعني الجماع فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لا فليصم، فإن الصوم له وجاء، وأصل الوجاء رض الخصيتين للفحل من الغنم لتذهب فحولته وضرابه، فكانت العرب تجأ بحجرين فتقطع ضرابه، فيسكن لذلك عهره ويسمن، ومن ذلك الخبر ضحى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكبشين أملحين موجوءين يعني أبيضين مرضوضي الخصية.
روينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تناكحوا، تناسلوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة حتى بالسقط والرضيع، وفي الخبر الآخر: من أحبني فليستن بسنتي يعني النكاح، وحديث أبي سعيد الخدري: من ترك النكاح مخافة العيلة فليس منا، وقد كان عمر يكثر النكاح ويقول: ما أتزوج إلاّ لأجل الولد، وقد كانت هذه نية جماعة من السلف، يتزجون لأجل أنْ يولد لهم فيعيش، فيوحد الله تعالى ويذكره أو يموت، فيكون فرطاً صالحاً يثقل به ميزانه كيف، وقد روينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنّ الطفل يجر أبويه بسرره إلى الجنة وأنّ المولود يقال له: ادخل الجنة قال: فيقف على باب الجنة، فيظل محبنطئاً أي ممتلئاً غيظاً وغضباً فيقول: لا أدخل إلاّ وأبواي معي فيقال: أدخلوا أبويه معه الجنة، وقد روينا خبرًا غريباً: أنّ الأطفال يجمعون في موقف القيامة عند عرض الخلائق للحساب فيقال للملائكة: اذهبوا بهؤلاء إلى الجنة قال: فيقفون على باب الجنة قال: فيقول لهم: مرحباً بذراري المسليمن، ادخلوا لا حساب عليكم فيقولون: فأين آباؤنا وأمهاتنا قال: فتقول الخزنة: إنّ آباءكم وأمهاتكم ليسوا مثلكم، إنهم كانت لهم ذنوب وسيّئات، فهم يحاسبون عليها ويطالبون قال: فيتضاغون ويضجون على باب الجنة ضجة واحدة فيقول الله عزّ وجلّ للملائكة، وهو أعلم: ما هذه الضجة، فيقولون: يا ربّنا، أطفال المسلمين قالوا لا ندخل الجنة إلاّ مع آبائنا فيقول الله عزّ وجلّ: تخللوا الجمع، فخذوا بأيدي آبائهم فأدخلوهم معهم الجنة،