يقول: كثرة النساء ليست من الدنيا لأن عليًّا رضي الله تعالى عنه كان أزهد أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان له أربع نسوة وسبعة عشر سرية، فالنكاح سنّة ماضية وخلق من أخلاق الأنبياء صلوات الله عليهم، وقد روينا في أخيار الأنبياء أنّ عابداً تبتل وبلغ من العبادة ما فاق على أهل زمانه، ووصف بذلك فقال: فذكر ذلك لنبي ذلك الزمان، فأثنى عليه بحسن الثناء فقال: نعم الرجل هو لولا أنه تارك لشيء من السنة قال: فنمى ذلك إلى العابد فأهمه فقال: ما ينفعني عبادتي ليلاً ونهاراً وأنا تارك للسنة، فجاء إلى ذلك النبي فسأله فقال: نعم أنت تارك للتزوّج فقال: ما تركته أنني حرمته ومنعني منه إلاّ أني فقيرلا شيء عندي وأنا عيال على الناس، يطعمني هذا مرة وهذا مرة، فكرهت أنْ أتزوّج امرأة أعضلها وأرهقها جهداً، فقال: ما يمنعك إلاّ هذا قال: نعم قال: فأنا أزوجك ابنتي قال: فزوجه النبي عليه السلام ابنته في قصة طويلة، وروينا في نوادر أخبارهم أيضاً: أنّ يحيى بن زكريا عليهما السلام تزوّج امرأة ولم يكن يقربها، قيل: لغض البصر وقيل: للفضل في ذلك، كأنه أراد أن يجمع الفضائل كلها، وقيل: للسنّة، وكان بشر بن الحارث رحمه الله يعتقد أحمد بن حنبل رحمه الله ويقول: فضل عليّ بثلاث بطلب الحلال لنفسه ولغيره، وأنا أطلب الحلال لنفسي واتساعه للنكاح وضيقي عنه وقد جعل إماماً للعامة، وأنا أطلب الوحدة لنفسي، ويقال إنّ أحمد بن حنبل رضي الله عنه تزوّج اليوم الثاني من وفاة أم عبد الله ولده، ويقال إنه لم يبت عزباً بعد وفاتها إلاّ ليلة، ولكن قد كان بشر رحمه الله يحتج لنفسه بحجة، قيل له إنّ الناس يتكلمون فيك فقال: وما عسى أنْ يقولوا قال: يقولون هو تارك للسنّة في ترك النكاح فقال: قل لهم: هو مشغول بالفرض عن السنّة، وعوتب مرة أخرى في ترك التزوج فقال: ما يمنعني من ذلك إلاّ حرف في كتاب الله عزّ وجلّ: (ولهن مثل الذي عليهن) البقرة: 228 قال: فذكر ذلك لأحمد بن حنبل فقال: وأين مثل بشر أنه قعد على مثل حد السنان، وعلى ذلك فقد بلغنا أنه رحمه الله رؤي في المنام بعد وفاته، فسئل عن حاله فقال: رفعت سبعين درجة في عليين، وأشرف بي على مقامات الأنبياء ولم أبلغ منازل المتأهلين، وبلغنا عنه أنه قال: وعاتبني ربي عزّ وجلّ وقال: يا بشر ما كنت أحب أنْ تلقاني عزباً قال: فقلت له ما فعل أبو نصر التمار فقال: رفع فوقي سبعين درجة فقلنا: بماذا، وقد كنا نراك فوقه فقال: بصبره على بناته والعيال.
وقد كان ابن مسعود يقول: لو لم يبقَ من عمري إلا عشرة أيام أموت في آخرها لأحببت أنْ أتزوج، ولا ألقى الله عزّ وجلّ وأنا أعزب، وماتت امرأة معاذ بن جبل رضي الله عنه في الطاعون، وكان هو أيضاً مطعوناً فقال: زوجوني فإني أكره أنْ ألقى الله عزّ وجلّ عزبًا،