وحدثونا عن إمام الأئمة الحسن بن يسار البصري رحمه الله أنَّ رجلاً قال له: يا أبا سعيد إنّ قوماً يحضرون مجلسك ليس بغيتهم الفائدة منك، ولا الأخذ عنك، إنما همهم تتبع سقط كلامك وتعنتك في السؤال ليعيبوك بذلك، فتبسم الحسن ثم قال: هوّن عليك يا ابن أخي فإني حدثت نفسي بسكنى الحنان، فطمعت وحدثت نفسي بمعانقة الحور الحسان، فطمعت وحدثت نفسي بمجاورة الرحمن، فطمعت وما حدثت نفسي قط بالسلامة من الناس، لأني قد علمت أنّ خالقهم ورازقهم ومحييهم ومميتهم لم يسلم منهم، فكيف أحدث نفسي بالسلامة منهم، وبمعناه ما روي عن موسىصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: يا ربّ احبس عني ألسنة الناس، فقال اللّّه تبارك وتعالى: يا موسى هذا شيء لم أفعله لنفسي، فكيف أفعله بك، وفي لفظ آخر: لو خصصت بهذا أحداً لخصصت به نفسي، وقد كان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: ما من يوم أصبح فيه حيًّا وأمسي ولا يرميني فيه الناس بداهية إلاّ عددته نعمة من الله تعالى عليّ وأنشد:

وإن امرًءا يمسي ويصبح سالماً ... من الناس إلاّ ما جنا لسعيد

وأوحى الله عزّ وجلّ إلى عزير: إنْ لم تطب نفساً بأن أجعلك علكاً في أفواه الماضغين لم أكتبك عندي من المتواضعين، ومثله روينا عن عيسى عليه السلام أنه كان يقول يا معشر الحواريين، إنْ أردتم أنْ تكونوا إخواناً فوطنوا نفوسكم عند العداوة والبغضاء من الناس، وقد جعل الله تبارك وتعالى في المخالطة للمؤمنين من البركة، ما لو لم يجيء فيه الأثر إلا هذا، كان فيه كفاية، وروينا أنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما طاف بالبيت عدل إلى زمزم ليشرب منها، فإذا التمر المنقع في الحياض الآدم قد مغثه الناس بأيديهم وهم يتناولون منه يشربون فاستسقى منه فقال: اسقوني فقال العباس: يا رسول الله إنّ هذا النبيذ شراب قد مغث وحيض بالأيدي، أفلا آتيك أنظف من هذا في جرّ مخمر في البيت فقال: لا اسقوني من هذا الذي يشرب منه الناس، ألتمس بركة أيدي المسلمين فشرب، وروينا في خبر آخر قيل: يا رسول الله، الوضوء من جرّ مخمر أحب إليك أو من هذه المطاهر التي يتطهر منها الناس فقال: بل من هذه المطاهر إلتماس بركة أيدي المسلمين، وروينا في الخبر: إذا التقى المسلمان فتصافحا، فتبسم أحدهما إلى صاحبه تحاتت ذنوبهما كما يتحات ورق الشجر، وفي لفظ الحديث الآخر: قسمت بينهما مائة رحمة تسعة وتسعون لآنسهما بصاحبه وأحسنهما بشرًا، وروينا في الخبر: خير الأصحاب عند الله عزّ وجلّ أرفقهم بصاحبه، وخير الجيران أرفقهم بجاره، وإياك أنْ تصحب جاهلاً فتجهل بصحبته، أو غافلاً عن مولاه متبعاً لهواه فيصدك عن سبيله فتردى، كما قال سبحانه وتعالى: (فاسْتَقيما ولا تَتَّبِعَانِّ سَبيلَ الَّذينَ لا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015