يَعْلَمُونَ) يونس: 89، فأول الاستقامة صحبة العلماء بالله عزّ وجلّ وقال تعالى: (ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرنَا وَاتَّبَعَ هَواهُ) الكهف: 28، وقال تعالى: (فلا يَصُدَّنَّك عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بها واتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى) طه: 16، أي فتكون ردياً وقيل فتهلك وقال تعالى: (فأعْرِضَ عَمَنْ تَوَلّى عنْ ذِكْرِنا) النجم: 29، ففي دليله الإقبال بالصحبة على من أقبل إلى ذكره تعالى، والإعراض عمن أعرض عن وجهه، فلا تصحبن إلاّ مقبلاً عليه كما قال الله عزّ وجلّ: (واتَّبعْ سَبيلَ مَنْ أنابَ إِليَّ) لقمان: 15، وإياك أنْ تصحب من الناس خمسة: المبتدع والفاسق والجاهل والحريص على الدنيا والكثير الغيبة للناس، فإن هؤلاء مفسدة للقلوب مذهبة للأحوال، مضرة في الحال والمآل.

وقد كان سفيان الثوري رحمه اللهّ يقول: النظر إلى وجه الأحمق خطيئة مكتوبة وقال سعيد بن المسيب: لا تنظروا إلى الظلمة فتحبط أعمالكم الصالحة، ولكن قد كان صعصعة بن صوحان يقول: إذا لقيت المؤمن فخالطه مخالطة، وإذا لقيت المنافق فخالفه مخالفة، وقد قال: أحسن الواصفين في وصف أوليائه المتّقين، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا: سلاماً أي سلامة، الألف بدل من الهاء لازدواج الكلم، والمعنى، أي سلمنا من إثمكم وسلمتم من شرنا، وقد كان أبو الدرداء يقول في زمانه: كان الناس ورقاً لا شوك فيه، وهم اليوم شوك لا ورق فيه، إنْ ناقدتهم ناقدوك، وإنْ تركتهم لم يتركوك، فأقرضهم من عرضك ليوم فقرك، وكان يقول: كل يوم أصبح لا يرميني الناس فيه بداهية أعده نعمة من الله تعالى عليّ، وقال حكيم الحكماء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من خالط الناس وصبر على أذاهم، أفضل ممن لم يخالطهم ولم يصبر على أذاهم، وقال العلام ذو الجلال والإكرام: (أُولَئِكَ يُؤْتْونَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسنَةِ السَّيئةِ) القصص: 45، إي يدفعون بالكلام الحسن السيء وقال عزّ وجلّ في الكلام المفسر: (ادْفَعْ بالتي هي أَحْسَنُ) فصلت: 34، يعني بالكلمة الحسنى: (فإذا الَّذي بَيْنكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كأنَّهُ وَليُّ حَميمٌ) فصلت: 34 ثم قال عزّ وجلّ وما يلقاها يعني الكلمة: (إلاّ الَّذينَ صبَرُوا) فصلت: 35، أي على أمر الله تعالى وعلى الغيظ، وعن الغضب: (وما يُلَقّاها إلاَّ ذُو حظٍّ عَظيمٍ) فصلت: 35، أي من الحلم والعلم وقيل ذو حظ عظيم عند الله عزّ وجلّ من النصيب والجزاء وقد قال لقمان الحكيم قولاً متوسطاً: يا بني لا تكن حلواً فتبلع، ولا مرّاً فتلفظ، المعنى: لا تمكن الناس من نفسك ولا تتابعهم في كل شيء فلا يبقوا عليك وينبسطوا إليك، ولا تنافرهم وتخالفهم في كل شيء فيجانبوك ويرفضوك فيقعوا فيك، وقال بعض السلف: لا تصحب إلاّ مريداً، وكل خليل لا يريد ما تريد فانبذ عنك صحبته، وقال بعض علماء العرب: الصاحب كالرقعة في الثوب إنْ لم تكن من جنسه شانته، وقال بعض الحكماء: كل إنسان مع شكله كما أنّ كل طير مع جنسه، وقد كان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015