مولاه، فلا يتولاه لأن النفس مبتلاة بحب الثناء والمدح وإثبات المنزلة بإظهار الوصف، فيكون هذا الصاحب حينئذ من أشأم الناس عليه وأضرّهم له، ويصير أحدهما بلاء على صاحبه، فليفارقه حينئذ لأنّه جاهل ولا يصحبه، فإنه يجد النقصان وتدخل عليه الآفات بمقارنته، فلينفرد بنفسه فيصدق في حاله عالية كانت أو دنيئة، وضيعة كانت أم رفيعة، من غير مقارنة أحد ولا مباينة فهو خير له وأحمد عاقبة، وهذا باب لطيف قد هلك فيه خلق كثير على ضربين منهم، من صاحب وآخى وبايت على هذه العلل فساكنها، ومن هذه الآفات فقارنها الضعف يقينه وقوة هواه، وكبر الناس في عينه وعظم قدر الدنيا مما يناله منهم في قلبه، فهلك بالتزين والتصنع وأهلك أخاه بنحو ذلك، والضرب الثاني من المتعبدين المعروفين بالستر والصلاح، خافوا ولم يحبوا أن يظهروا على حالهم كراهة الذم وخيفة النقص لهم، فلم يحبوا أنْ يختبروا بالمباينة ولا ينكشفوا في المصاحبة، ولا تعرف أحوالهم بطول الممارسة، وأحبوا مع ذلك أنْ يشار إليهم من بعيد ويتوهم فيهم العبادة من غير طول ملاقاة، فأظهروا التفرد والعزلة، وتركوا المباينة والصحبة، وأنكروا هذا وعابوه، يريدون أنْ يبينوا بذلك عن نظرائهم وينفردوا به عن جملة الخلق بدعوى الحال، ليختصوا بغيرها عندهم من غير حال، ولا انقطاع إلى الله سبحانه، ولا اشتغال، ولقلة معرفة العامة بأحوال الصادقين، فهلك أيضاً بالمباينة وغربة الحال وترك السنة من إجابة الدعوى، ومخالطة الأمة كبراً وتطاولاً على العامة، وتمويهاً منهم على من لا يعرف سيرة الأمة، وأوهم بذلك أنه مشغول عنه بسلوك الطريق، لعلمه أنهم لا يعرفون محجة التحقيق، ولعلّه مشغول بهم وأنهم وساوس قلبه، وهو في ذلك منكشف للصادقين ظاهر جلي للعارفين، وقد جاء في مخالطة المسلمين، وفي الأكل مع الإخوان والاختلاط بالعامة، والمشي في الأسواق واشتراء الحوائج، وحملها للتواضع ما يكثر رسمه ويطول وصفه وكذلك كان سيرة الصحابة وشيمة التابعين بإحسان منهم، عمر رضي الله عنه، كان يحمل القربة على ظهره لأهله، وعليّ رضي الله عنه كان يحمل التمر والملح في ثوبه ويده ويقول:
لا ينقص الكامل من كماله ... ما جرّ من نفع إلى عياله
ومنهم أبي وابن مسعود وحذيفة وأبو هريرة، كانوا يحملون حزم الحطب وجرب الدقيق على أكتافهم وظهورهم، وسيد المرسلين وإمام المتّقين، ورسول رب العالمين محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يشتري الشيء فيحمله بنفسه، فيقول له صاحبه: أعطني أحمله عنك فيقول: صاحب الشيء أحقّ بحمله، وكان الحسن بن علي عليهما السلام يمر على السؤال في الطريق، وبين أيديهن كسر ملقاة في الأرض، فيسلم عليهم فيقولون: هلمّ