ثم نسق الأقارب على ترتيب الأحكام، وضمّ إليهم الأخ لما وصفه بتمليكه مفاتحه أخاه، فأقام ذلك مقام ملك أخيه، لأنه أقام أخاه مقامه فقال تعالى: (أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ) النور: 61، ثم أخر الصديق بعده إذ لم يكن بحقيقة وصفه، ثم قال عزّ وجلّ: (لَيْسَ عَليْكُمْ جُنَاحٌ أنْ تَأكُلُوا جَمِيعاً) النور: 61، بحضرة الإخوان أو أشتاتاً في حال تفرقهم، فسوى بين غيبتهم وشهودهم لتسوية إخوانهم بينهم وبين أملاكهم، واستواء قلوبهم مع ألسنتهم في البذل والمحبة، لتناول المبذول وهذا تحقيق وصفه عزّ وجلّ لهم في قوله تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) الشورى: 38، وقال بعض الأدباء: إذا ائتلف الإخوان جماعة، ثم اجتمع بعضهم على لذّة وفقد البعض نقص من اللذة بمقدار من نقص منهم، وهذا يكون بوجود الأنس بهم ومواصلة الذكر، وروينا أنّ مالك بن دينار ومحمد بن واسع دخلا منزل الحسن وكان غائباً، فأخرج محمد بن واسع سلة فيها طعام من تحت السرير فجعل يأكل، فدخل الحسن فقال: هكذا كنا لا يحتشم بعضنا من بعض واعلم أنه ليس بين الأخوين والصاحبين رياء في أعمالهما، وإنْ تراءى برأي العين أعمالهم لهم ثواب السرّ والخلوة، لأنهما كالأهل في الحضر وكالصحابة في السفر، وليس بين الرجل وأهل بيته ولا بين المسافر ورفقائه رياء ولا سمعة، ولا عليه منهم اختفاء ولا خلوة، فإن صحبه أخوه هذا في سفر كانت حرمته عليه ألزم وحقه أوجب، فينبغي أنْ لا يخالفه ولا يعترض عليه إنْ أحب النزول في منزل لم يكره أخوه ذلك، وإنْ اختار أحدهما الرحيل لم يحب الآخر المقام، وإنْ سار أحدهما لم يقف صاحبه، وإنْ استراح الآخر وقف له رفيقه، وإنْ اشترى شيئاً لم ينهه عنه، ولا يستأثر بمطعوم ولا مشروب بل يؤثره بذينك، وفي الخبر: ما اصطحب اثنان قط إلاّ كان أحبهما إلى الله عزّ وجلّ أرفقهما بصاحبه.
وروينا أيضاً عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه دخل غيضة مع بعض أصحابه، فاجتنى منها سواكين من أراك، أحدهما معوج والآخر مستقيم، فحبس المعوج لنفسه ودفع المستقيم إلى صاحبه فقال: يار سول الله أنت كنت أحق بالمستقيم فقال: ما من صاحب يصحب صاحبًا ولو ساعة من نهار، إلاّ سأله الله عن صحبته هل أقام فيه حق الله تعالى أو أضاعه، ومن كان ناظراً في أخوة أخيه أو في صحبته إلى كثرة أعماله، أو واقفاً مع أكمل أحواله، دل على جهله بهذا الطريق الذي ينفذ إلى التحقيق لأنها تحول، وإنّما المعول على حقائق القلوب وسلامة العقول لأن إليها الأمر مردود، فإن اقترن إلى جهله نقص معرفة الآخر دل علىه التزين له والتصنع عنده لتعلو منزلته ويحسن عنده أثره فيدخله ذلك في الشرك ويخرجه الشرك عن حقيقة التوحيد، فتزل قدم بعد ثبوتها ويسقط من عين