الحال، والمتقاربين في الحسن، والمعاني بأن يوجد في أحدهما من القلب والهمة والعلم والخلق، ما يوجد في الآخر وإنْ تفاوتا كما قال تبارك وتعالى: (إنَّ المُبذِّرينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّيَاطينَ) الأسراء: 27، وليسوا من جنسهم ولا على وصفهم في الخلقة، ولكن لما تشابهت قلوبهم وأحوالهم آخى بينهم، فهذه أخوة الحال وهي حقيقة الصداقة، ثم المحبة وهي خاصية الأخوة، وهذا يجعله الله تبارك وتعالى من الألفة ويوجده من الأنس في القلوب، يتولاه بصنعه ولا يوليه غيره، وهذا ارتياح القلوب وانشراح الصدور ووجد السرور، وفقد الوحشة، وزوال الحشمة، ثم الخليل وهذا فوق الحبيب، ولا يكون هذا إلاّ في عاقلين عالمين عارفين على معيار واحد، وطريق واحد، وهذا أعز موجود وأغرب معهود، والخلة مأخوذة من تخلل الأسرار، ومعها تكون حقيقة الحب والإيثار، فكل خليل حبيب، وليس كل حبيب خليلاً، لأن الخلة تحتاج إلى فضل عقل، ومزيد علم، وقوّة تمكين، وقد لا يوجد ذلك في كل محبوب، فلذلك عزّ طلبه وجلّ وصفه، وقد رفع الله عزّ وجلّ نبيه محمّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مقام المحبة، فأعطاه الخلة ليلحقه بمقام إبراهيم، فكانت الخلة مزيد المحبة، ومنه ما روي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو كنت متخذاً من الخلق خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن صاحبكم خليل الله عزّ وجلّ، فلما أتخذه خليلاً لم يصلح أنْ يشرك في خلة الخالق خلة الخلق، ثم قال: ولكن أخوّة الإسلام فأوقفه مع الأخوّة، لأن فيها مشاركة في الحال كما فعل بعليّ عليه السلام، وعدل به عن النبوّة كما عدل بأبي بكر عن الخلة.
وفي الحديث الآخر أنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صعد المنبر فرحاً مستبشراً فقال: ألا إنّ الله تبارك وتعالى، قد اتخذني خليلاً كما أتخذ إبراهيم خليلاً، فأنا حبيب الله عزّ وجلّ، وأنا خليل الله، وليس قبل المعرفة اسم يوجب حكماً إلاّ ظاهر الإسلام، ولا بعد الخليل وصف يعرف إلاّ نعت محب، ثم تتزايد الحرمات في الأخوات ما بين المعرفة والخلة، وتعظم الحقوق بطول الصحبة وجميل العشرة، ويقال صحبة سنة أخوة ومعرفة عشر سنين قرابة، قد ضم الله عزّ وجلّ الصديق إلى الأهل ووصله بهم، ثم رفع الأخ وقدمه على الصديق، وهو قوله عزّ وجلّ: (أو مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ) النور: 61، كان الأخ يدفع مفاتح خزائنه إلى أخيه، ويتصرف في الحضر ويتقلب في السفر، ويقول لأخيه: حكمك فيما أملك كحكمي، وملكي له كملكك، فكان أخوه يتضايق ويتحرج فيقتر على نفسه لأجل غيبة أخيه، ويقول: لو كان حاضراً لاتّسعت وأكلت رغداً للورع الذي فيه، والنصح والإيثار لأخيه فرحم الله عزّ وجلّ تضايقهم وشكر تورعهم، فأطلق لهم الإذن ووسع عليهم في الأكل فقال عزّ وجلّ: (ولا على أَنْفُسِكُمْ) النور: 61، أي لا إثم ولا ضيق أن ْ تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم،