تطعمنا الشهوات ولا تأكلها فقال: لا آكلها لأني قد تركت أكلها، وأقدمها إليكم لأني أعلم أنكم تشتهونها وقال: كنا نبايت إبراهيم بن أدهم في المصيصة.
وفي قرى السواحل، فكان يكسر لنا الصنوبر والبندق واللوز ليله أجمع ويقول: كلوا فقلنا: لو أقبلت على صلاتك وتركت هذا فيقول: هذا أفضل، وكان بعض الناس يفجؤه الضيف، فلا يكون عنده ما يقدمه إليه، فيذهب إلى منزل أخيه، فيأخذ خبزاً وقدراً قد كان طبخها، فيحمله إلى ضيفه، فيلقاه أخوه بعد ذلك فيستحسنه منه ويأمره بفعل مثل ذلك في كل نائبة، وقال بعض العلماء: إذا عمل الرجل في منزل أخيه أربع خصال فقد تم أنسه به إذا أكل عنده، ودخل الخلاء ونام وصلّى، فذكرت هذه الحكاية لبعض أشياخنا فقال: صدق، بقيت خصلة قلت: ما هي قال: معها وجامع فإذا فعل هذا فقد تم أنسه به، لأن هذه الخمس لأجلها يتخذ البيوت، ويقع الاستخفاء لما فيها من التبذل والعورة، ولولاها كانت بيوت الله سبحانه أروح وأطيب، ففي الأنس بالأخ وارتفاع الحشمة من هذه الخمس، مثال حال الأنس في الوحدة بالنفس من غير عيب من عائب ولا ضد لكن من اتفاق جنس، وهذا لعمري نهاية الأنس ذاتاً، فأما الخامسة، وهو قول شيخنا وجامع، فعلى ذلك يصلح أنْ يستدل له بقول العرب في تسليمهم وترحيبهم: مرحبًا وأهلاً وسهلاً أي لك عندنا مرحب، وهو السعة في القلب والمكان، ولك عندنا أهل تأنس بهم بلا وحشة منا، وسهلاً أي لك عندنا سهولة، ذلك يسهل علينا ولا يشتد فهو سهولة اللقاء وسهولته من الأخلاق في الالتقاء، واعلم أنّ للناس في التعارف سبع مقامات بعضها فوق بعض، فأوّل ذلك المعرفة عن الرؤية أو السمع فقط، فلهذا حرمة الإسلام وحق العامة، ثم المجاورة وله حق الجوار، وهو ثاني حقوق الإسلام، وهذا هو الجار الجنب، ثم المرافقة في طريق أو سفر وهذا هو الصاحب بالجنب في أحد الوجهين من الآية، فلهذا ثلاثة حقوق لأنه قد جمع حرمة الإسلام وحرمة الجوار وزاد عليها بأنه ابن سبيل، ثم الصحبة وهي الملازمة والاتباع، فهذا فوق ذلك، ثم الصداقة وهي حقيقة الأخوة، ومعها تكون المعاشرة وهو اسم تكون معه المخالطة، وتوجد فيه المؤانسة، وهو يحكم بالمزاورة والمبايتة والمؤاكلة وهذا جملة العشرة، فالمعاشرة مأخوذة من العشير، وهو الخليط المقارب، ولذلك سمي الزوج عشيراً في قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ويكفرن العشير، وقد قال الله عزّ وجلّ في تسمية المعاشر وفي قربه: (لَبِئسَ الَوْلى وَلًَبِئسَ العَشيرُ) الحج: 13، يعني ابن العم المختلط به، فقيل منه معاشرة على زنة مفاعلة لأنه شيء يقع بين اثنين لا محالة، كان كل واحد قد فعل مثله أي يفعل هذا مثل ما يفعل هذا، مثل المضاربة والمقاتلة والمشاتمة، إذا فعل كل واحد بصاحبه كفعله به، ثم الأخوة فوق الصداقة، وهذا لا يكاد يكون إلاّ بين النظراء في