كلفته دامت صحبته وألفته، ومن قلّت مؤونته دامت مودته، وقال علي عليه السلام: شرّ الأصدقاء من تكلف له، وقال يونس النبي عليه السلام لما زاره إخوانه، فقدم إليهم خبز شعير وجزلهم من بقل كان زرعه وقال: لولا أنّ الله تبارك وتعالى لعن المتكلفين لتكلفت لكم.
وروينا عن نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنا والأتقياء من أمتي براء من التكلف، فجملة التكلف هو عمل ما لا نية للعبد فيه، ودخول العبد فيما لا يعنيه وتعاطيه ما قد كفيه، ومع وجود الحسد وكمون الغل، وهو ثبوت الحقد تكون المباينة، وفي التطاول والتظاهر تقع المجانية، ومع الخبث والمكر تكون المنافرة، وهذا كله يذهب الألفة وينقص المحبة ويبطل فضيلة الأخوة، وقال بعض أهل البيت: أثقل إخواني عليّ من أحتشمه ويحتشمني، وقال بعض السلف: كانوا لا يغتنمون ولا يحتشمون، وسئل الحسن عن الصديق الذي أكل ماله بغير إذن منه فقال: من استراحت إليه النفس وسكن إليه القلب، فإذا كان كذلك فلا إذن له في ماله، وسئل ذو النون عن الأنس فقال: أنْ تأنس بكل وجه صبيح وكل صوت فصيح، والله تبارك وتعالى فيما بينك وبين ذلك، وإذا علمت أنّ أخاك يسر بأخذك من رحله وملكه، أو علمت أنه لا يكره ذلك إنْ فعلته، حل لك أنْ تأخذ، وإنْ كان لم يأذن لك لأن علمك يقوم مقام إذنه، وعلامة هذا منك انشراح صدرك بذلك، وخفته على قلبك، فذلك دليل على سروره به، وعلى قياسه من علمت من الناس أنه يكره تناولك من ماله شيئاً، أو عرفته يبخل ضنانة بما في يديه، فإني أكره لك أنْ تأكل من ماله شيئاً وإنْ أذن لك بعد أنْ تعلم أنّ الأحب إليه أنْ لا تأخذ، ففي الورع وإنْ أعطاك أنْ لا تقبل فإن بذله مع علمك بأمره لغو لا حقيقة له، ودليل ذلك ضيق صدرك به، ووجود الحشمة والوحشة في القلب، فقد جاء في الأثر الإثم حواز القلب، وجاء الإثم ما حاك في صدرك، والبر حسن الخلق، والبر ما سكنت إليه النفس واطمأن به القلب، فقد جاءت هذه الألفاظ في أحاديث متفرقة، وعلى ما ذكرناه أنّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكل من لحم بريرة تصدق به عليها وكانت غائبة لما علم أنه يسرها، فلم ينتظر إذنها فعلى ضد ذلك في القياس ما ذكرناه، ونظر هاشم الأوقص إلى الحسن وهو يأكل من جون لبقال، من هذه بسرة ومن هذه تينة، فقال له: يا أبا سعيد، تأكل من مال الرجل بغير إذنه فقال: يا لكع، اتل عليّ آية الأكل، ثم قرأ الحسن (ولا على أنْفُسِكُمْ أنْ تَأْكُلوا مِنْ بُيُوتِكُم) النور: 61 إلى قوله تعالى: (أوْ صَدِيِقِكُمْ) النور: 61، وقد كان أصحاب محمد بن واسع وفرقد السنجي يدخلون منزله فيأكلون من غير أنْ يؤذن لهم ويقول: ذكرتموني أخلاق قوم مضوا هكذا كنا، قال: وكنا ندخل على أبي سليمان الداراني، فيقدم إلينا الطيّبات ولا يأكل معنا ويقول: إنما خبأته لكم فقلنا: