إلى ثوب لبس من غير إذن ولا مؤامرة، قد عرفوا ذلك من أخلاقه، وكان مثله جماعة متخلّقين بهذه الأخلاق، وقد جعل الله تبارك وتعالى الألفة بين المؤمنين من آياته، وتمدح بوصفها ولم يكلها إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال عزّ وجلّ: (وأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ولو أنْفَقْتَ ما في الأرضِ جميعاً ما ألَّفْتَ بين قُلُوبهِمْ وَلِكنَّ الله ألَّف بَيْنَهُمْ إنَّهُ عَزيزٌ حَكيمٌٌ) الأنفال: 63، أي عزيز لا يؤلف غيره ما فرق، ولا يفرق سواه ما ألف، حكيم تفرد بالحكم في التأليف، كما توحد بالتوحيد بالتعريف، ومعنى آخر: عزيز عزز الألفة وعظمها عند المؤمنين، حكيم جعلها في الحكمة مع الحكماء من الصالحين، ونظر أبو الدرداء إلى ثورين يحرثان في فدان، فوقف أحدهما يحك جسده فوقف الآخر فبكى أبو الدرداء فقال له: هكذا الإخوان في الله عزّ وجلّ، يعملان لله تبارك وتعالى ويتعاونان على أمر الله، فإذا وقف أحدهما وقف الآخر لوقوفه، وكان أكثر عبادة أبي الدرداء التفكر، وكان يقول: إني لأدعو لأربعين من إخواني في سجودي أسميهم بأسمائهم.
وقد جاء في الحديث: دعاء الأخ لأخيه بالغيب لا يرد، ويقول الملك: ولك مثل هذا، وفي لفظ آخر يقول الله تبارك وتعالى: بك أبدأ، والحديث المشهور: يستجاب للمرء في أخيه ما لا يستجاب له في نفسه، فمن واجب الأخوة تخصيصه وإفراده بالدعاء، والاستغفار له في الغيب، فلو لم يكن من بركة الأخوة إلاّ هذا كان كثير، وكان محمد بن يوسف الأصبهاني يقول: وأين مثل الأخ الصالح، أهلك يقتسمون ميراثك وهو منفرد بحسرتك، مهتم بما قدمت، يدعو لك في ظلمة الليل وأنت تحت أطباق الثرى، فقد أشبه الأخ الصالح الملائكة: لأنه جاء في الخبر: إذا مات العبد قال الناس: ما خلف وقالت الملائكة: ما قدم، يفرحون بما قدم من خير ويشفقون عليه، وقال بعض العلماء: لو لم يكن في اتخاذ الإخوان إلاّ أنّ أحدهم يبلغه موت أخيه فيترحم عليه ويدعو له، فلعله يغفر له بحسن نيته له ويقال: مَنْ بلغه موت أخيه فترحم عليه واستغفر له، كأنه شهد جنازته وصلّى عليه، وقد روينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مثل الميت في قبره مثل الغريق يتعلق بكل شيء، ينتظر دعوة من ولد أو والد أو أخ، وإنه ليدخل على قبور الأموات من دعاء الأحياء، من الأنوار أمثال الجبال ويقال: الدعاء للأموات بمنزلة الهدايا للأحياء في الدنيا، قال: فيدخل الملك على الميت معه طبق من نور، عليه منديل من نور فيقول: هذه هدية من عند أخيك فلان، من عند قرينك فلان قال: فيفرح بذلك، كما يفرح الحي بالهدية، فقد كان الإخوان يوصون إخوانهم بعدهم بدوام الدعاء لهم، ويرغبون في ذلك لحسن يقينهم وصدق نياتهم، وإن أعظم الحسرة من خرج من الدنيا ولم يؤاخ أخاً في الله عزّ وجلّ،