خلاً يأنس بكماله، من قبل أن أضّدادها وحشة كلها لأن الجاهل لا أنس فيه، والأحمق لا أنس به، والبخيل سئ الخلق لا أنس عنده، والخبيث والمتكبر لا أنس معه فاعرف هذا.
وروينا عن الأصمعي أنه ذكر عن بعض الحكماء قال: عاملوا أحرار الناس بمحض المودة، وعاملوا العامة بالرغبة والرهبة، وسوسوا السفلة بالمخافة، ومثل جملة الناس كمثل جملة الشجر، منهم من له ظل ليس فيه ثمر وهذا الذي فيه نفع من الدنيا ولا ثمرة له في العقبى، ويحتاج إليه في وقت، ومنهم من فيه ثمر وليس له ظل وهذا يصلح للآخرة ولا يصلح للدنيا، ومنهم من فيه ظل وثمر، فهذا الذي يصلح للدين والدنيا وهو أعزها، ومنهم من لا ظل له ولا ثمر وهذا هو الذي لا يحتاج إليه، فمثله في الشجر مثل شجر الغضا وهو شوك البرية التي تسميه العامة أم غيلان، تمزق الثياب لا طعام فيه ولا شراب، فهؤلاء من الناس من يضرّ ولا ينفع ويكثر ولا يدفع، مثله كما قال الله تبارك وتعالى: (يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبْئِس المَوْلى وَلَبِئسَ العشيرُ) الحج: 13، ومثله في الدواب مثل الفأرة والعقرب، وقد قيل في وصفهم:
الناس شيء إذا ما أنت ذقتهم ... لا يستوون كما لا يستوي الشجر
ذارب ظلّ وهذا عنده ثمر ... وذاك ليس له ظل ولا ثمر
وقد أنشدنا في مثل وصف هذا لبعض الأدباء:
إذا كنت لا ترجى لدفع مهمة ... ولم تك يوم الحشر ممن يشفع
ولا أنت ذا مال يجود بماله ... فعود خلال من إخائك أنفع
قال بعض السلف: إذا ولى أخوك ولاية فثبت على نصف مودتك فكثير، وحدثنا محمد بن القاسم القرشي عن الربيع بن سليمان، عن الإمام الشافعي رحمه الله، أنه آخى رجلاً ببغداد ثم إنّ أخاه ولي السيبين فتغير للشافعي كما كان يعهده منه فكتب إليه الشافعي رضي الله عنه هذه الأبيات:
اذهب فودك من ودادي طالق ... مني وليس طلاق ذات البين
فإن ارعويت فإنها تطليقة ... ويدوم ودك لي على ثنتين
وإذا امتنعت شفتها بمثالها ... فتكون تطليقتين في حيضين
فإذا الثلاث أتتك مني بتة ... لم تغنِ عنك ولاية السيبين
فذكر هذا الكلام لبعض الفقهاء فاستحسنه وقال: هذا الطلاق فقهي، إلاّ أنه طلق قبل النكاح، وقد كان الشافعي عليه السلام آخى محمد بن عبد الحكم المصري وكان يحبه ويقربه، ويقول: ما يقيمني بمصر غيره، واعتل محمد فعاده الشافعي، فحدثني القرشي عن الربيع قال: سمعت الشافعي ينشد وقد عاد محمدّاً: