وكان الثوري رحمه الله تعالى يقول: من عاشر الناس داراهم، ومن داراهم راءاهم، ومن راياهم وقع فيما وقعوا فهلك كما هلكوا، وكان بعض الناس يقول: لا تؤاخِ من الناس إلاّ من لا يتغير عليك في أربع: عند غضبه ورضاه وعند طمعه وهواه، لأن هذه المعاني تتغير لها الطباع لدخول الضرر منها على النفس وفقد الانتفاع، وقال بعض الأدباء: لا تصحب من الناس إلاّ من كان على هذا الوصف: يكتم سرّك وينشر برّك ويطوي عيبك ويكون في النوائب معك وفي الرغائب يؤثر، فإن لم تجده فلا تصحب إلاّ نفسك، وقد أنشدنا بعض العلماء لبعض الأدباء في معنى هذه الأوصاف:
وندمان أخي ثقة ... كان حديثه خبره
يسرك حسن ظاهره ... وتحمد منه مختبره
فساعد خله كرما ... وفي أخلاقه أثره
ويطوى سوءَة أبداً ... وحسناً إن طوى نشره
ويستر عيب صاحبه ... ويستر أنه ستره
وقال بعض العلماء: لا تصحب إلاّ أحد رجلين: رجلاً تتعلم منه شيئاً من أمر دينك فينفعك، أو رجلاً تعلمه شيئاً من دينه فيقبل منك، والثالث هرب منه، وقال ابن أبي الحواري: قال لي أستاذي أبو سليمان: يا أحمد لا تصحب إلاّ أحد رجلين: رجل ترتفق به في دنياك، أو رجل تزيد معه وتنتفع به في آخرتك، والاشتغال بغير هذين حمق كبير.
وكان المأمون يقول: الإخوان ثلاثة: أحدهم مثله مثل الغذاء لا يستغنى عنه، والآخر مثله مثل الدواء يحتاج إليه في وقت، والثالث مثله مثل الداء لا يحتاج إليه فالعبد مبتلي بهذا الثالث وهو الذي لا أنس فيه ولا نفع عنده، والأول نعمة من اللهّ سبحانه وتعالى على العبد، فيه أُلفة وأنس ومعه غنيمة ونفع.
وكان أبو ذر يقول: الوحدة خير من جليس السوء، والجليس الصالح خير من الوحدة، وقال بشر بن الحارث: يكون للرجل ثلاثة إخوان: أخ لآخرته، وأخ لدنياه، وأخ يأنس به، فأخبر أنّ أخ المؤانسة قد لا يكون متقرّباً عابداً، وأنّ الأنس مخصوص يقال: لا يوجد إلاّ في كريم، وكان يوسف بن أسباط يعزز من فيه أنس من الإخوان، فكان يقول ما في المصيصة ثلاثة يؤنس بهم، واعلم أنّ الأنس لايوجد في كل عالم، ولا في كل عاقل، ولا في كل عابد زاهد، ويحتاج الأنس ألى وجود معان تكون في الولي، فإذا اجتمعت فيه كمل فيه الأنس، وارتفعت عنه الوحشة والحشمة، ومن لم تكن فيه لم يوجد فيه أنس، ومن لم تكمل فيه وجد فيه بعض الأنس، وإذا حصل الأنس ففيه الروح من الكروب والاستراحة من الغمّ والسكون وطمأنينة القلب، فكذلك عزّ من يوجد فيه الأنس لعزة خصاله وهي سبع: علم وعقل وأدب وحسن خلق وسخاء نفس وسلامة قلب وتواضع، فإن فقد بعضها لم يجد