نفس، وكان ابن سيرين يقول: يحتمل الرجل لأخيه إلى سبعين زلة ويطلب له المعاذير، فإن أغناه ذلك وإلاّ قال: لعل لأخي عذراً غاب عني، وقال الثوري: إذا أردت أنْ تؤاخي رجلا ًفأغضبه ثم دسّ عليه من يسأله عنك، فإن قال خيراً فاصحبه وقال غيره: لا تؤاخين أحداً حتى تبلوه وتفشي إليه سرّاً، ثم إجفه واستغضبه وانظر، فإن أفشاه عليك فأجتنبه، وقيل لأبي يزيد: من أصحب من الناس قال: من يعلم منك ما يعلم الله عزّ وجلّ، ويستر عليك ما يستر الله تعالى، وكان ذو النون يقول: لا خير لك في صحبة من لا يحب أنْ يراك إلاّ معصوماً، وقيل لبعض العلماء: من يصحب من الناس قال: من يرفع عنك ثقل التكلف، وتسقط بينك وبينه مؤونة التحفظ، وقد كان جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام يقول: أثقل إخواني عليّ من يتكلف لي وأتحفظ منه، وأخفهم على قلبي من أكون معه كما أكون وحدي، يريدون بهذا كله أنّ من لم يكن على هذه الأوصاف دخل عليه التصنع والتزين، فأخرجاه إلى الرياء والتكلف، فذهبت بركة الصحبة وبطلت منفعة الأخوة، وقال بعض الصوفية: لا تعاشر من الناس إلا من لا تزيد عنده ببرّ ولا تنقص بإثم، ومن يتوب عنك إذا أذنبت، ويعتذر إليك إذا أسأت، ويحمل عنك مؤونة نفسه ويكفيك مؤونة نفسك، وهذه من أعز الأوصاف في هذا الوقت، كما قال رجل للجنيد: قد عزّ في هذا الزمان أخ في الله تعالى قال: فسكت عنه، ثم عاد ذلك فقال له الجنيد: إذا أردت أخاً في الله عزّ وجلّ يكفيك مؤونتك ويتحمل أذاك فهذا لعمري قليل، وإنْ أردت أخاً في الله تتحمل أنت مؤونته وتصبر على أذاه، فعندي جماعة أدلك عليهم إنْ أحببت، فهذا لعمري يكون محبّاً لنفسه إذا أقتضى هذا من أخيه لا محبّاً لأخ في الله تعالى، وليس الإخاء كف الأذى لأن هذا واجب، ولكن الإخاء الصبر على الأذى، وكانت هذه الطائفة من الصوفية لا يصطحبون إلاّ على استواء أربع معان، لا يترجح بعضها على بعض، ولا يكون فيها اعتراض من بعض إنْ أكل أحدهم النهار كله لم يقل له صاحبه صم، وإنْ صلّى الليل أجمع لم يقل له أحد نم بعضه، وتستوي حالاه عنده، فلا مزيد لأجل صيامه وقيامه، ولا نقصان لأجل إفطاره ونومه، فإذا كان عنده يزيد بالعمل وينتقص بترك العمل، فالفرقة أسلم للدين وأبعد من المراءاة من قبل إنّ النفس مجبولة على حب المدح وكراهة الذم، ومبتلاة بأن ترب حالها التي عرفت به، وأنْ تظهر أحسن ما يحسن عند الناس منها، فإن صحب من يعمل معه هذا فليس ذلك بطريق الصادقين ولا بغية المخلصين، فمجانبة هؤلاء الناس أصلح للقلب وأخلص للعمل، وفي معاشرتهم وصحبة أمثالهم فساد القلوب ونقصان الحال، لأن هذه أسباب الرياء، وفي الرياء حبط الأعمال وحسن رأس المال، والسقوط من عين ذي الجلال نعوذ به سبحانه وتعالى من ذلك،