فأخبرناه بما أنشدنا ابن المعتز في السرّ، فاستوقفنا ثم أطرق مليًّا ثم قال سمعوا قولي:
وما السرّ في صدري كثاوٍ بقبره ... لأني أرى المقبور ينتظر النشرا
ولكنني أنساه حتى كأنني ... بما كان منه لم أحط ساعة خبرا
ولو جاز كتم السرّ بيني وبينه ... عن السرّ والأحشا لم يعلم السرّا
وقال عليّ عليه السلام: شر الأصدقاء من أحوجك إلى مداراة، وألجأك إلى اعتذار، وقال أيضاً: شرّ الأصدقاء من تكلف له، وقال الفضيل: إنما تقاطع الناس بالتكلف يزور أحدهم أخاه فيتكلف له ما لا يفعله كل واحد منهما في منزله، فيحشمه ذلك من الرجوع إليه، وروينا عن عائشة رضي الله عنها: المؤمن أخو المؤمن لا يغتنمه ولا يحشمه، وروينا في الانبساط إلى الإخوان شيئاً استظرفته ولولا أنه جاء عن إمام ما ذكرته، حدثنا الحرث بن محمد عن إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: أهدي لهشام فرو كثير الثمن فقال: اذهب بها إلى سعيد الجوهري فقل له: هذه فرو جاء به هشيم اشترها له قال: فذهب بها إليه فاشتراها، ثم بعت بها إلى هشيم فصارت له ودراهمها، وقال عليّ بن المديني: قال أحمد بن حنبل: إني أحبّ أن أصحبك إلى مكة وما يمنعني من ذلك إلاّ أني أخاف أنْ أملك أو تملني، لأنه يقال إنّ ملل الإخوان ليس من أخلاق الكرام وقال مكحول: قلت للحسن إني أريد الخروج إلى مكة فقال: لا تصحبن رجلاً يكرم عليك فينقطع الذي بينك وبينه، وكان أبو عمرو بن العلاء يقول: يستحسن الصبر عن كل شيء إلاّ عن الصديق، وقال: أستحب للمتواخين في الله عزّ وجلّّ أنْ يلتقيا في كل يوم مرتين وقال أنس بن مالك: كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتماشون، فإذا استقبلهم صخرة أو أكمة فرقت بينهم فالتقوا من ورائها، سلم بعضهم على بعض، وقال الحسن وأبو قلابة: ليس من المروءة أنْ يريح الرجل على صديقه، وقال ابن سيرين لا تكرم أخاك بما يشق عليه.
وروينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إنما يتجالس المتجالسان بالأمانة فلا يحل لأحدهما أن يفشي على أخيه ما يكره، وخرج ابن المبارك في سفر، فصحبه قوم فقال لهم: إنْ أنكر أحد منكم شيئاً فليخبرني، فلما أرادوا أنْ يتفرقوا قال لهم: هل أنكرتم مني شيئاً فقال شاب منهم: أنا قال: وما أنكرت قال: لم أرك تستاك فقال: ويحك وهل يستاك الرجل بين يدي صديقه، وكان بشر بن الحارث يقول: لا تخالط من الناس إلاّ حسن الخلق فإنه لا يأتي إلاّ بخير، ولا تخالط سئّ الخلق فإنه لا يأتي إلاّ بشر، وقال الشافعي رحمه الله: من استغضب فلم يغضب فهو حمار، ومن استرضى فلم يرضى فهو شيطان، وقال عمرو بن دينار: زهدك في راغب فيك نقص حظ، ورغبتك في زاهد فيك ذل