فضله ويطوي زلَلَه ويقبل علله. رة في الله تعالى تكون بهذه المعاني الأربع: بالنفس إنْ احتاج إليك في الأفعال، وباللسان إنْ ظلم في المقال، وبالمواساة إنْ احتاج إلى المال، وأقل ذلك بالقلب أنْ يساعده في الهم والكرب في اعتقاد السلامة فيه وجميل النية له، وعليه أنْ يحفظ غيبه وأنْ يحسن الثناء عليه وينشر فضله ويطوي زلَلَه ويقبل علله.
ويقال: ما من الناس أحد إلاّ له محاسن ومساوٍ، فمن ظهرت محاسنه فغلبت مساوئه فهو المؤمن المقتصد، فالأخ الشفيق الكريم يذكر أحسن ما يعلم في أخيه، والمنافق اللئيم يذكر أسوأ ما يعلم فيه، ومن هذا جاء في الخبر: أستعيذ بالله من جار السوء الذي إن رأى خيراً ستره، وإنْ رأى شرّاً أظهره، وهذا المعنى هو سبب قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَإنْ من البيان سحراً، إذ لكل حديث يروي آخره سبب يكون أوله خرج الحديث عليه، وهو أنّ رجلاً أثنى على رجل عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما كان الغد ذمه وعابه فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنت بالأمس تثني عليه واليوم تذمه، فقال: والله لقد صدقت عليه بالأمس وما كذبت عليه اليوم، إنه أرضاني بالأمس، فقلت أحسن ما أعلم فيه وأغضبني اليوم مفقلت أسوأ ما أعلم فيه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَعند ذلك: إنّ من البيان سحراً كأنه كره ذلك إنْ شبهه بالسحر، لأن السحر حرام، ولهذا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الخبر الآخر البذاء والبيان شعبتان من النفاق، وفي الحديث الآخر أنّ الله تعالى كره لكم البيان، كل البيان، وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله في وصف العدالة قولاً استحسنه العلماء، وحدثنا عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: سمعت الشافعي يقول: ما أحد من المسلمين يطيع الله عزّ وجلّ حتى لايعصيه، ولا أحد يعصي الله عزّ وجلّ حتى لا يطيعه، فمن كانت طاعاته أكثر من معاصيه فهو العدل، قال ابن عبد الحكم: وهذا كلام الحذاق، وقال أيضاً قولاً فصلاً في التوسط بين الانقباض والانبساط، حدثنا عنه قال: الانقباض عن الناس مكسبة لعداوتهم، والانبساط إليهم مجلبة لقرناء السوء فكن بين الانقباض والانبساط، وقد وصف الله تعالى المؤمنين بالصبر والرحمة في قوله عزّ وجلّ: (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بالمَرْحَمَةِ) البلد: 17، ونعتهم الذلة في قوله تعالى: (أذِلَّةٍ على المُؤْمِنينَ أَعِزَّةِ على الكافرينَ) المائدة: 54، وقال تعالى: (رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) الفتح: 29، وهذا كله داخل في الاهتمام به، وهو حقيقة صدقه في الصداقة له كما قال، ولا صديق حميم أي هميم من الاهتمام به، وقد قال عيسى عليه السلام لأصحابه: كيف تصنعون إذا رأيتم أخاكم نائماً فكشفت الريح عنه ثوبه، قالوا: نستره ونغطيه فقال: بل تكشفون عورته، قالوا: سبحان الله من يفعل هذا، فقال: أحدكم يسمع في أخيه بالكلمة فيزيد عليه ويشيعها بأعظم منها، وهذا مخرجه من الحسد الكائن في النفس والغل المستكن في القلب، أنْ يزيد الرجل على الشيء مما يسمع أو يتبعه بمثله، فيظهر هذا غله، وهذا الذي استعاذ منه المؤمنون في قولهم: (ولا تَجْعَلْ في قُلُوبنا غِلاًّ) الحشر: 10 الآية، وينبغي أنْ لا يخالفه في شيء ولا يعترض عليه في مراد، قال بعض العلماء: إذا قال