الأخ لأخيه قم بنا، فقال: إلى أين، فلا تصحبه وقال الآخر: إذا قال: أعطني من مالك، فقال: كم تريد أو ماذا تصنع به لم يقم بحق الإخاء، قال أبو سليمان الداراني: كان لي أخ بالعراق، فكنت أجيئه في النوائب فأقول: أعطني من مالك شيئاً فكان يلقي إليّ كيسه فآخذ منه ما أريد، فجئته ذات يوم فقلت أحتاج إلى شي، فقال: كم تريد فخرج حلاوة أخاه من قلبي، وعن ابن عمر وأبي هريرة: لم يكن أحد أحق بديناره ودرهمه من أخيه.
وروينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تباغضوا ولا تدابروا ولا تحاسدوا ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يحرمه، ولا يخذله بحسب المرء من الشر أنْ يحقر أخاه المسلم، وفي حديث عليّ عليه السلام عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كملت مروءته وظهرت عدالته ووجبت أخوّته وحرمت غيبته، وفي حديث أبي أسامة الباهلي: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن نتمارى فغضب ثم قال: ذروا المراء لقلّة خبره، ذروا المراء فإن نفعه قليل وهو يهيج العداوة بين الإخوان، وقال بعض السلف: من لاص الإخوان وما رآهم، قلت: وذهبت كرامته، وقال عبد الله بن الحسن: إياك ومعاداة الرجال، فإنك لن تعدم مكر حليم أو مفاجأة لئيم، وقال بعض الحكماء: ظاهر العتاب خير من مكنون الحقد، ولا يزيدك لطف الحقد إلاّ وحشة منه.
وقد روينا في الحقد على الإخوان لفظة شديدة، وهو ما حدثونا عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال: كنت باليمن، وكان لي جار يهودي يخبرني عن التوراة، فقدم علينا يهودي من سفر فقلت: إنّ الله تبارك وتعالى قد بعث فينا نبيًّا، فدعا إلى السلام فأسلمنا، وقد نزل علينا مصدقاً للتوراة فقال اليهودي: صدقت، ولكنكم لا تستطيعون أنْ تقوموا بما جاءكم به، إنّا نجد نعته ونعت أمته أنه لا يحل لامرئ يعلم منهم أنّ يخرج من عتبة بابه وفي قلبه سخيمة على أخيه المسلم، وقال بعض السلف: أعجز الناس من قصر في طلب الإخوان، وأعجز منه من ضيع من ظفر منهم، وقال الحسن: لا تشتر عداوة رجل بمودة ألف رجل، وقال عمر بن عبد العزيز: إياك ومن مودته على قدر حاجته إليك، فإذا قضيت حاجته انقضت مودته، ومن أخلاف السلف قال: لم يكن أحد منا يقول في رحله: هذا لي وهذا لك، بل كان كل من احتاج إلى شيء استعمله عن غير مؤامرة، وقد وصف الله عزّ وجلّ المؤمنين بهذا في قوله تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمّ يُنْفِقُونَ) الشورى: 38، معنى أمرهم أي أمورهم ذكر جماعها كالشيء الواحد بينهم شورى أي مشاع غير مقسوم، ولا يستبد به واحدهم فيه سواء، ومما رزقناهم ينفقون، أي كانوا خلطاء في الأموال لا يميز بعضهم رحله من بعض أي شركاء، وجاء عتبة الغلام إلى منزل رجل كان قد آخاه فقال: أحتاج