الخطاب رضي الله عنه يقول: ويأمر الإخوان بذلك رحم الله امرءًا اهتدى إلى أخيه عيوب نفسه، ولكن قد قيل لمسعر بن كدام: تحب من يخبرك بعيوبك، فقال: إنْ نصحني فيما بيني وبينه فنعم، وإنْ قرعني في الملأ فلا، ومن أخلاق السلف قال: كان الرجل إذا كره من أخيه خلقاً عاتبه فيما بينه وبينه أو كاتبه في صحيفة، وهذا لعمري فرق بين النصيحة والفضيحة فما كان في السر فهو نصيحة، وما كان على العلانية فهو فضيحة، وقلما تصح فيه النية لوجه الله تعالى، لأن فيه شناعة، وكذلك الفرق بين العتاب والتوبيخ، فالعتاب ما كان في خلوة، والتوبيخ لا يكون إلاّ في جماعة، ولذلك يعاتب الله عزّ وجلّ رجلاً من المؤمنين يوم القيامة تحت كنفه، ويسبل عليه ستره فيوقفه على ذنوبه سرّاً، ومنهم من يدفع كتاب عمله مختوماً إلى الملائكة الذين يحفرون به إلى الجنة، فإذا قاربوا دخول الجنة، دفعوا إليهم الكتب مختومة فيقرؤونها، وأما أهل التوبيخ فينادون على رؤوس الأشهاد، فلا يخفى على أهل الموقف فضيحتهم، فيزداد ذلك في عذابهم، وكذلك الفرق بين المداراة والمداهنة، فالمداراة ما أردت به وجه الله تعالى وطريق الآخرة، من دفع عن دين وقصدت به سلامة أخيك من الإثم وصلاح قلبه لله تبارك وتعالى، والمداهنة ما اجتلبت به دنيا وأردت به حظ نفسك، وكذلك الفرق بين الغبطة والحسد، إن الغبطة أنْ تحب لنفسك ما رأيته من أخيك، ولا تحب زواله عنه بل تبقيته له وإتمامه عليه والحسد ما أردت أنْ يكون ذلك منه لك، وأحببت زواله عنه وكرهت تبقيته عليه، فهذا مكروه، فإن سعيت في ذلك بقول أو فعل فهو البغي زيادة على الحسد، وهو من كبائر المعاصي، وكذلك الفرق بين الفراسة وسوء الظن إنْ الفراسة ما توسمته من أخيك بدليل يظهر لك أو شاهد يبدو منه أو علامة تشهدها فيه، فتتفرس من ذلك فيه ولا تنطق به إنْ كان سوءاً، ولا تظهره ولا تحكم عليه ولا تقطع به فتأثم، وسوء الظن ما ظننته من سوء رأيك فيه أو لأجل حقد في نفسك عليه، أو لسوء نية تكون أو خبث حال فيك، تعرفها من نفسك فتحمل حال أخيك عليها وتقيسه بك، فهذا هو سوء الظن والإثم، وهو غيبة القلب وذلك محرم لقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّ الله تعالى حرم من المؤمن دمه وماله وعرضه، وإنْ تظن به ظن السوء وقوله عليه السلام: إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، فهذه خمس معان وأضدادها بينها فرق عند العلماء، فاعرف ذلك، وينبغي أنْ ينصر أخاه ويعينه بماله ولسانه وقلبه وأفعاله، فإن
النصرة في الله تعالى تكون بهذه المعاني الأربع: بالنفس إنْ احتاج إليك في الأفعال، وباللسان إنْ ظلم في المقال، وبالمواساة إنْ احتاج إلى المال، وأقل ذلك بالقلب أنْ يساعده في الهم والكرب في اعتقاد السلامة فيه وجميل النية له، وعليه أنْ يحفظ غيبه وأنْ يحسن الثناء عليه وينشر