تذلل لمن إن تذللت له ... يرى ذاك للفضل لا للبله
وجانب صداقة من لا يزال ... على الأصدقاء يرى الفضل له
وأنشدنا لبعض الأدباء:
كم من صديق عرفته بصديق ... صار حظي من الصديق العتيق
ورفيق رأيته في طريق ... صار عندي محض الصديق الحقيقي
وروينا عن الحسن بن عليّ عليهما السلام في وصف الأخ كلاماً رجزاً جامعاً مختصراً:
إن أخاك الحق من كان معك ... ومن يضر نفسه لينفعك
ومن إذا ريب الزمان صدعك ... شتت شمل نفسه ليجمعك
ولا تصحّ مؤاخاة مبتدع في الله تعالى، ولا محبة فاسق يصحب على فسوقه، ولا محبة فقير أحب غنياًِ لأجل دنياه، ولا ما يناله من عاجل مهناه، وقد تصح المحبة بين الغني والفقي، وتوجد الأخوة إنْ لم يقم الغني بحقوق أخيه، إذا آثره أخوه بما يحب أنْ يؤثره به، فلم يفتضه، وقد تصح الأخوة بين العالم والجاهل، وبين الصالح والطالح لأجل التدين من أحدهما، والتقربة إلى الله عزّ وجلّ، ويكون من الأعلى منهما لنيات تكون له فيها لحسن خلقه، أو لجميل معاملته، أو لمعان محمودة تكون فيه، لأن لكل مؤمن سديداً من عمله يرجى له به، والمؤمن لا يهلك كله، ولا يذهب جملة واحدة، أو لإشفاقه عليه أو لتواضع العالم والصالح في نفسه، فيراه في كل حال فوقه، أو لأجل الستر عليه لئلا يلحقه النقص والشين من الغير، فهذه طرقات الإخوان، فيها حسن نيات، وينبغي على ذلك أنْ تعلمه ما جهل مما هو به أعلم، فيعينه بعلمه كما يعينه بماله، فإنّ فقر الجهل أشد من فقر المال، وإنّ الحاجة إلى العلم ليست بدون الحاجة إلى المال وكان الفضيل يقول: إنما سمّي الصديق لتصدقه والرقيق لترفقه، فإن كنت أغنى منه فأرفقه بمالك، وإنْ كنت أعلم منه فأرفقه بعلمك، وينبغي أنْ ينصح له فيما بينه وبينه، ولا يوبخه بين الملأ ولايطلع على غيبه أحداً، فقد قيل: إنّ نصائح المؤمنين في آذانهم، وقال جعفر بن برقان: قال لي ميمون بن مهران: قل لي في وجهي ما أكره، فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره، فإن كان أخوه الذي نصح له صادقاً في حاله، أحبه على نصحه، فإن لم يحبه وكره ذلك منه دلّ على كذب الحال، قال الله سبحانه وتعالى في وصف الكاذبين: (وَلكنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحينَ) الأعراف: 79 وقد كان بعض الصالحين يقول: أحب الناس إلي من أهدى عيوبي، وقد كان عمر بن