كفاية، وفي الخبر: ما زار رجل أخاه في الله عزّ وجلّ شوقاً إليه ورغبة في لقائه، إلاّ ناداه ملك من خلفه: طبت وطابت لك الجنة، وقال الحسن: من شيّع أخاً له في الله عزّ وجلّ بعث الله ملائكة من تحت عرشه يوم القيامة يشيعونه إلى الجنة، وعن عطاء قال: كان يقول: تفقدوا إخوانكم بعد ثلاث، فإن كانوا مرضى فعودوهم، وإن كانوا مشاغيل فأعينوهم، وإنْ كانوا نسوا فذكروهم، وكان الشعبي يقول: في الرجل يجالس الرجل فيقول: أعرف وجهه ولا أعرف اسمه ذلك معرفة التوكل.
وقد روينا عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه رأى عمر يلتفت يميناً وشمالاً فسأله، فقال: يا رسول الله أحببت رجلاً فأنا أطلبه ولا أراه، فقال: يا أبا عبد الله إذا أحببت أحداً فسله عن اسمه واسم أبيه، وعن منزله فإن كان مريضاًً عدته، وإنْ كان مشغولاً أعنته، وعن الضحاك عن ابن عباس قيل له: من أحب الناس إليك، قال: جليسي، وكان يقول: ما اختلف رجل إلى مجلسي ثلاثاً من غير حاجة تكون له إليّ، فعلمت مكافأته من الدنيا.
وكان سعيد بن العاص يقول: لجليسي عليّ ثلاث: إذا دنا رحبت به وإذا حدث أقبلت عليه وإذا جلس أوسعت له، وقال الأحنف بن قيس: الإنصاف يثبت المودة، ومع كرم العشرة تطول الصحبة، وكان يقول: ثلاث خلال تجلب بهن المحبة: الإنصاف في المعاشرة، والمواساة في الشدة والانطواء على المودة، وقال أكثم بن صيفي لبنيه: يا بني، تقاربوا في المودة ولا تتكلوا على القرابة، وقد قيل لأبي حازم: ما القرابة، قال: المودة، فأول ما تصح له المحبة في الله عزّ وجلّ أنْ لا يكون لضد ذلك من صحبة لأجل معصية، ولا على حظ من دنياه، ولا لسبب موافقته على هواه، ولا لأجل ارتفاقه به اليوم لمنافعه ومصالحه في أحواله، ولا يكون ذلك مكافأة على إحسان أحسن به إليه، ولا لنعمة ويد يجزيه عليها، فهذه ليس فيها طريق إلى الله عزّ وجلّ ولا للآخرة، لأنها طرقات الدينا ولأسباب الهوى، فإذا سلم من هذه المعاني، فهذه أول المحبة لله عزّ وجلّ، ولا يقدح في الأخوة لله تبارك وتعالى لأن هذه شبهة ثانية فيه مثل أنْ يحبه لحسن خلقه، وفضل أدبه، وحسن حلمه، وكمال عقله، وكثرة احتماله وصبره، أو لوجود الأنس به وارتفاع الوحشة منه، أو للألفة التي جعل الله بينه وبينه، وإنما يخرجه عن حقيقة الحب في الله عزّ وجلّ، أنْ يحبه لما يكون دخلا في الدين ووليجة في طرائق المؤمنين، ولما انفصل عنه ولم يكن متصلاً به، مثل الأنعام والأفضال ووجود الارتفاق، فهذا الحب لا يمنع القلب وجده، لما جبل الطبع عليه، ولبغض من كان بضده، ممن أساء إليه وليس يأثم ولا يعصى بوجود هذه المحبة لأجل هذه الأسباب المعروقة، كما أنه إذا أساء إليه ووجد بغضه لا يأثم ما لم يخرجه البغض إلى مجاوزة حد بإيجاب حكم، إلاّ أنْ هذه محبة النفس بالطبع، وإنما يفضل المرء بمحبة القلب لأجل الله عزّ وجلّ، والبغض فيه شيء، وإنْ كان مباحاً لأنها تحول وتزول، وكل محبة تكون