الأنفال: 63، قال: نزلت هذه الآية في المتحابين في الله عزّ وجلّ، وأبو بشر عن مجاهد قال: المتحابون في الله عزّ وجلّ إذا التقوا فكشر بعضهم إلى بعض، تتحات عنهم الخطايا كما يتحات ورق الشجر في الشتاء إذا يبس، وروينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سبعة يظلهم الله عزّ وجلّ في ظل عرشه، يوم لا ظل إلا ظله، منهم كذا، واثنان تواخيا في الله عزّ وجلّ، اجتمعا على ذلك وتفرّقا، وكان الفضيل بن عياض وغيره يقول: نظر الأخ إلى وجه أخيه على المودة والرحمة عبادة، فلا تصح المحبة في الله عزّ وجلّ إلاّ بما شرط فيها من الرحمة في الاجتماع، والخلطة عند الافتراق بظهور النصيحة، واجتناب الغيبة، وتمام الوفاء، ووجود الأنس، وفقد الجفاء، وإرتفاع الوحشة، ووجد الانبساط، وزوال الاحتشام، وكان الفضيل يقول: إذا وقعت الغيبة، ارتفعت الأخوة وقال الجنيد: ما تواخى اثنان في الله عزّ وجلّ فاستوحش أحدهما من صاحبه واحتشم منه إلاّ لعلّة في أحدهما، ومن ذلك ما روي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما تحاب اثنان في الله عزّ وجلّ إلاّ كان أحبهما إلى الله عزّ وجلّ أشدهما حبَّا لصاحبه، وفي خبر: كان أفضلهما وفي الخبر الآخر أحب الإخوان إلى الله عزّ وجله أرفقهما بصاحبه.
وفي الخبر المشهور: لا يذوق العبد طعم الإيمان حتى يحب المرء لا يحبه إلاّ لله، وقال ابن عباس في وصيته لمجاهد: ولا تذكر أخاك إذا تغيب عنك إلاّ بمثل ما تحب أنْ تذكر به إذا غبت، وأعفه بما تحب أنْ تعفى به، وكان بعضهم يقول: ما ذكر أخي عندي في غيب إلاّ تمثلته جالساً، فقلت فيه ما يحب أنْ يسمع في حضوره، وقال آخر: ما ذكر أخ لي في غيبة إلاّ تصورت نفسي في صورته، فقلت فيه ما أحب أنْ يقال فيّ، فهذا حقيقة في صدق الإسلام، لا يكون مسلماً حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه، وقال بعض الأدباء: من اقتضى من إخوانه ما لا يقتضون منه ظلمهم، ومن اقتضى منهم ما يقتضون منه فقد أتعبهم، ومن لم يقتضهم فقد تفضل عليهم، وبمعناه روينا عن بعض الحكماء: من جعل نفسه فوق قدره عند الإخوان أثم وأثموا، ومن جعل نفسه في قدره تعب وأتعبهم، ومن جعلها دون قدره سلم وسلموا، فلذلك عزز الناس الأخوة في الله عزّ وجلّ قديماً، لأن هذا حقيقتها، فروى في الأخبار، إثنان عزيزان ولا يزدادان، إلاّ عزة درهم من حلال وأخ تسكن إليه، وقيل تأنس به، وقال يحيى بن معاذ رحمه الله: ثلاثة عزيزة في وقتنا هذا، ذكر منها حسن الإخاء مع الوفاء، يعني بالوفاء أنْ يكون له في غيبته، ومن حيث لا يعلم ولا يبلغه، مثل ما كان له في شهوده ومعاشرته، ويكون له بعد موته ولأهلّه من بعده كما كان له في حياته، فهذا هو الوفاء، وهو الذي شرطه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمؤاخاة في قوله: اجتمعا على ذلك أو تفرّقا، وجعل جزاءه أظلال العرش يوم القيامة.