إخاء الناس ممتزج ... وأكثر فعلهم سمج
فإنّ بدهتك مقطعة ... فليس وراءهم فرج
فقوّمهم بوصلهم ... فإن لم يوصلوا اعتوجوا
صروف الدهر دائبة ... تقطع دونها المهج
وروينا عن عكرمة عن ابن عباس أنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا تمار أخاك ولا تمازحه ولا تعده موعداً فتخلفه، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنكم لا تسعون الناس بأموالكم، ولكن ليسعهم منكم بسط وجوه وحسن خلق، وعن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله عزّ وجلّ: خذ العفو وأمر بالعرف، قال: خذ من أخلاق الناس ومن أعمالهم ما ظهر من غير تحسس، وقد أنشدنا بعض الحكماء في ذلك:
خذ من خليلك ما صفا ... وذر الذي فيه الكدر
فالعمر أقصر من معا ... تبة الخليل على الغير
ومن عرف فضل الإخوة في الله عزّ وجلّ، وعلم درجة المحبة لله تعالى، صبر لأخيه وشكر له وحلم عنه وإحتمل له، لينال ما أمله من مؤمله فيه ويبلغ ما طلبه من طالبه به، فإنّ الصبر يحتاج إليه ليتمْ العمل والشكر، لا بدّ له منه لدوام النعمة، ومن طلب نفيساً خاطر بنفيس ومن رغب في رغبة بذل لها مرغوباً، والله عزّ وجلّ الموفق من يحب لما يحب، وروينا في حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: المتحابون في الله عزّ وجلّ على عمود من ياقوتة حمراء، في رأس العمود سبعون ألف غرفة، مشرفون على أهل الجنة، يضيء حسنهم لأهل الجنة كما تضيء الشمس لأهل الدنيا، عليهم ثياب سندس خضر، مكتوب على جباههم: هؤلاء المتحابون في الله عزّ وجلّ، وروينا في حديث معاذ، وقد قال له أبو إدريس الخولاني: إني لأحبك في الله عزّ وجلّ، فقال له: أبشر ثم أبشر، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ينصب لطائفة من الناس كراسي حول العرش يوم القيامة، ووجوههم كالقمر ليلة البدر، يفزع الناس وهم لا يفزعون، ويخاف الناس ولا يخافون، وهم أولياء الله عزّ وجلّ الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فقيل: من هؤلاء يا رسول الله، قال: هم المتحابون في الله عزّ وجلّ، ورواه أبو هريرة فقال فيه: إنّ حول العرش منابر من نور، عليها قوم لباسهم نور ووجوههم نور، ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء، فقالوا: يا رسول الله حلّهم لنا، فقال: هم المتحابون في الله عزّ وجلّ، والمتجالسون في الله تعالى، والمتزاورون في الله تعالى.
وروينا في حديث عبادة بن الصامت، يقول الله عزّ وجلّ: حقّت محبتي للمتحابين فيّ، والمتزاورين فيّ والمتباذلين والمتصادقين فيّ، وكان ابن مسعود يقول في قوله عزّ وجلّ: (لَوْ أَنْفَقْتَ ما في الأرض جمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلِكنَّ الله ألف بَيْنَهُمْ)