فيقول: إني كنت أعمل لي وله، قال: فيعطي جميع ما سأل له ويرفع أخوه إلى درجته معه، فقد كانوا يتواخون ويتعارفون المنافع الآخرة الباقية، لا لمرافقة الدنيا الفانية وأفضل الأخوة، كما قال بعض العلماء: المحبة الدائمة والألفة اللازمة من قبل، أنّ الأخوة والمحبة عمل، وكل عمل يحتاج إلى حسن خاتمة به ليتم العمل، فيكمل أجره، فإن لم يختم له بالآخرة ولم يحسن عاقبة الصحبة والمحبة، فقد أدركه سوء الخاتمة، بطل عنه ما كان قبل ذلك، فقد يصطحب الاثنان ويتواخى الرجلان عشرين سنة، ثم لا يختم لهما بحسن الأخوة فيحبط بذلك ما سلف من الصحبة، فلذلك شرط العالم المحبة الدائمة والألفة اللازمة إلى الوفاة ليختم له به، ويقال: ما حسد العدو ومتعاونين على برّ حسده، متواخيين في الله عزّ وجلّ ومتحابين فيه، فإنه يجهد نفسه ويحث قبيله على إفساد ما بينهما، وقد قال الصادق عزّ وجلّ: (وقل لعبادي يقولوا: التي هي أحسن إنّ الشيطان يَنْزَغُ بينهم) الإسراء: 53 يعني يقولون الكلمة الحسنة بعد نزغ الشيطان، وقال عزّ وجلّ مخبراً عن يوسف عليه السلام من: (بَعْدِ أنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْني وَبَيْنَ إخْوتي) يوسف: 100 وقد يقال: ما تواخى اثنان في الله عزّ وجلّ ففرق بينهما، إلاّ بذنب يرتكبه أحدهما، فقال بشر: إذا قصر العبد في طاعة الله تبارك وتعالى، سلبه الله عزّ وجلّ من يؤنسه، ويقال للعدو شيطان، قد وكله بالتفريق بين المتواخيين، ليس له عمل إلاّ ذلك، قد تفرغ له، ومن علامة التقى حسن المقال عند التفرق، وجميل البشر عند التقاطع، أنشدنا بعض العلماء الحكماء في معناه:
إنّ الكريم إذا تقضى وده ... يخفي القبيح ويظهر الإحسانا
وترى اللئيم إذا تصرم حبله ... يخفي الجميل ويظهر البهتانا
فوصف الكريم في هذا المعنى التخلق بخلق الربوبية، ألم تسمع إلى الدعاء المأثور عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أوله: يا من أظهر الجميل وستر القبيح، ولم يؤاخذ بالجريرة ولم يهتك الستر، فكذلك صفات المؤمنين على معاني أخلاق المؤمن الأعلى، وقد كان أبو الدرداء يقول: معاتبة الصديق خير من فقده، ومن لك بأخيك كله هن لأخيك، ولن له ولا تطع الشيطان في أمره، غداً يوافيه الموت فيكفيك فقده، كيف تبكيه بعد الموت وفي الحياة تركت وصله، وقد روينا عن عليّ عليه السلام: أحبب حبيبك هوناً ما عسى أنْ يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أنْ يكون حبيبك يوماً ما، وقد روينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه معناه: لا يكن حبك كلفاً وبغضك تلفاً، قال: اسلم، قلت: وكيف ذاك، قال: إذا أحببت فلا تكلف كما يكلف الصبي بالشيء يحبه، وإذا أبغضت فلا تبغض بغضاً تحب أنْ يتلف صاحبك ويهلك، وفي وصية