أنّ قوماً تدافعوا الإمامة بعد إقامة الصلاة فخسف بهم، ولكن لا يقيم المؤذن حتى يحضر الإمام، ولا ينتظروا الإمام قياماً فإنه مكروه، وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تقوموا حتى تروني، وكان بشر بن الحارث يقول: من أراد سلامة الدنيا وعزّ الآخرة فليجتنب أربعاً: لا يحدث ولا يشهد ولا يؤم ولا يفتي، وفي بعضها ولا يجيب دعوة، وقال مرة: ولا يقبل هدية وهذا من تشديده، والذي اختار من التأذين والإقامة مذهب أهل الحجاز بتثنية الأذان، بالترجيع وإفراد الإقامة، وأنْ يزيد في أذان الفجر الصلاة خير من النوم مرتين، وأنْ يؤذن لها قبل دخول الوقت، خاصة ليتأهب لها المصلّون وإنما هي الصلاة الوسطى إلاّ أنْ يتفقوا على صحة الحديث شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، فليدع الاختيار للآثار، وإنْ يمدّ المؤذن صوته ويرفعه جهده ويترسل أذانه، وقيل كانوا يستحبون خفض الصوت في كل موطن إلاّ في موضعين: في الأذان وعند التلبية.
وفي الخبر: يتمهل المؤذن بين أذانه وإقامته قدر ما يفرغ الأكل من طعامه، والمعتصر من اعتصاره، فهذا توقيت من مقدار المصلّين بين الأذانين، فمن كانت به حاجة إلى هذين فليقدم ذلك قبل دخوله في الصلاة لئلا يشغله شيء عن صلاته، ونهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن مدافعة الأخبثين في الصلاة، وأمر بتبدئة العشاء في قوله: إذا وضع العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء، ذلك ليكون القلب فارغاً لربه خالياً من نوائبه، فذلك من إقامة الصلاة وتمامها، وأكره الإمامة لمن كثر سهوه في الصلاة، أو دام اشتغال قلبه عن فهم المناجاة، أو لمن علم أنّ وراءه من هو أقرأ منه أو أفقه في الدين والعلم وإنْ كان هو عابداً صالحاً، أو لفقيه بالعلم إذا كان وراءه أتقى منه وأصلح وأروع بعد أنْ يكون مؤدّياً لفرض التلاوة، ولا يؤم الأمي القراء ولا الأعجمي الفصحاء ولا المتيممون المتوضئين، وإنْ اتّفق أميّون قدم أقرؤهم وإنْ حضر أئمة قرّاء فليتقدم بالعلم، وإنْ اتّفق رجلان أحدهما قد جمع كل القرآن إلاّ أنّ الآخر أحسن تجويداً وتثقيفاً لما يقرأ منه، وليس يحفظ جميعه فليقدم أقومهم قراءة إذا كان عالماً بالصلاة، وفي الخبر: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله عزّ وجلّ، فإن كانوا في القراءة سواء فأفقههم في الدين، فإن كانوا في الفقه سواء فأكبرهم سنّاً، فلذلك الأمر الرجل أحق بالإمامة إذا كان في منزله إلاّ أنْ يأذن، واستحب للإمام إذا سلم أنْ يسرع الانفتال بوجهه إلى الناس، وأكره للمأموم القيام قبل انفتال إمامه، فقد روينا في ذلك سنّة حسنة عن طلحة والزبير، أنهما صلّيا في البصرة خلف إمام، فلما سلّما قالا للإمام: ما أحسن صلاتك وأتمّها، كما كنا نصلّي الأشياء، واحداً أنك لما سلمت لم تنفتل بوجهك، ثم قالوا للناس: ما أحسن ما صلّيتم إلاّ أنكم انصرفتم قبل أنْ ينفتل إمامكم، ومن كرهه جيرانه